البروفيسور روبرت إدواردز الفائز بجائزة نوبل في الطب هذا العام سبق أن فاز بجائزة الملك فيصل العالمية في المجال نفسه قبل واحد وعشرين عاماً، وهو السادس عشر من الذين فازوا بجائزة نوبل بعد أن فازوا بجائزة الملك فيصل العالمية

خلال الأيام الماضية أُعلِن في وسائل الإعلام العالمية المختلفة أسماء الفائزين بجائزة نوبل بفروعها. ومن هذه الفروع فرع الطب، الذي مُنِحت جائزته للبروفيسور روبرت جيفري إدواردز المولود في بريطانيا قبل خمسة وثمانين عاماً، والذي سبق أن نال جائزة الملك فيصل العالمية في مجال الطب عام 1989م، أي قبل واحد وعشرين عاماً، للعمل نفسه الذي نال به جائزة نوبل في الطب هذا العام. ولهذا فلعل من المناسب الحديث باختصار عنه، والإشارة إلى بعض من نالوا جائزة نوبل في الطب والعلوم بعد نيلهم جائزة الملك فيصل العالمية في هذين الحقلين.
من المعلوم أن جائزة نوبل بدأت تُمنح قبل مئة وعشر سنين، وأن جائزة الملك فيصل العالمية بدأت تُمنح قبل واحد وثلاثين عاماً فقط. وقد فاز بهذه الجائزة حتى الآن بفروعها الخمسة: خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، واللغة العربية والأدب، والطب والعلوم، 209 فائزين وفائزات من 40 دولة في جهات مختلفة من العالم. وبين من فازوا بها ثماني نساء: أربع عربيات في الأدب العربي، وثلاث في الطب، اثنتان أمريكيتان، وواحدة فرنسية الجنسية من أصل عربي، وواحدة بريطانية مسيحية في الدراسات الإسلامية.
وقد يقول قائل: إن عدد الفائزات بجائزة الملك فيصل العالمية قليل مقارنة بعدد الفائزين بها، لكن المتأمل فيما هو جارٍ في العالم كله – وفي مقدمته العالم الغربي الذي واكب تعليم الفتاة فيه تعليم الفتى بصفة عامة – يجد أن لا غرابة في ذلك. فما زالت نسبة تمثيل المرأة الغربية في الحياة السياسية بعيدة عن نسبة تمثيل الرجل. وما يُرى في الحياة السياسية يمكن أن يُرى ما يقاربه في المجال العلمي، سواء في التدريس الجامعي أو العمل في مراكز البحوث. ولقلة العاملات في هذا المجال لم يكن غريباً أن يكون عدد الفائزات بجوائز عالمية قليلاً جداً مقارنة بعدد الفائزين بتلك الجوائز من الرجال. وجائزة الملك فيصل العالمية واحدة من هذه الجوائز.
وإذا كانت كتابة هذه المقالة مستوحاة من فوز البروفيسور روبرت إدواردز بجائزة نوبل في الطب هذا العام – وهو الذي سبق أن فاز بجائزة الملك فيصل العالمية في المجال نفسه قبل واحد وعشرين عاماً – فإن من المستحسن الإشارة إلى أنه هو السادس عشر من الذين فازوا بجائزة نوبل بعد أن فازوا بجائزة الملك فيصل العالمية، فكان لهذه الجائزة – بتوفيق من الله – ريادة في تكريمهم. وإضافة إلى ذلك فإن من الفائزين بجائزة الملك فيصل العالمية من فازوا – بعد نيلها – بجوائز لا تقل أهمية عن جائزة نوبل، مثل جائزة لاسكار، والميدالية الوطنية للعلوم، وهما أرفع جائزتين علميتين في أمريكا، ويمنحهما الرئيس الأمريكي في حفل مهيب يقام في البيت الأبيض. ويذكر أن من بين الذين فازوا بجائزة الملك فيصل العالمية، ثم نالوا جائزة نوبل بعد ذلك – وهم من أصل عربي – عالم وعالمة. أما العالم فهو أحمد زويل، الذي فاز بجائزة الملك فيصل العالمية في العلوم (للفيزياء)، عام 1989م، ثم نال نوبل على العمل نفسه بعد ذلك بعشر سنين، والبروفيسورة فرانسوا سنوسي، التي فازت بجائزة الملك فيصل العالمية في الطب – وموضوعها مرض نقص المناعة (الإيدز) – عام 1993م، ثم نالت جائزة نوبل عام 2008م.
وماذا عن البروفيسور روبرت جيفري إدواردز، الذي كان قد فاز بجائزة الملك فيصل العالمية في الطب عام 1989م، ثم نال جائزة نوبل على العمل نفسه هذا العام؟
ولد البروفيسور إدواردز في بريطانيا عام 1344هـ/ 1925م، وحصل على البكالوريوس من قسم الزراعة وعلم الحيوان في جامعة ويلز، وعلى الدكتوراه من جامعة أدنبرا، ثم تخصص في علم الوراثة، وواصل بحوثه في عدة جامعات بريطانية وأمريكية، وأصبح أستاذاً لعلم التناسل في كيمبردج عام 1985م، إضافة إلى أنه أستاذ زائر في جامعة لندن، وأستاذ شرف مدى الحياة في الجامعة العسكرية في الصين. ويُصنف ضمن أعظم ثلاثين من العباقرة الأحياء في العالم.
بدأ البروفيسور إدواردز بحوثه الفريدة في علم التناسل منذ أواسط القرن الماضي، وثابر على إجرائها حتى نجح في ابتداع طريقة للتلقيح خارج الرحم، أو ما يعرف بأطفال الأنابيب، وهو ما كان يُعد ضرباً من الخيال العلمي حينذاك. ثم تمكن – بمعاونة أحد الجراحين – من التوصل إلى ولادة الطفلة لويز براون، التي كانت أولى أطفال الأنابيب في العالم، وذلك في الخامس والعشرين من شهر يوليو عام 1978م. وقد أحدث ذلك الإنجاز دوياً هائلاً في المجتمع الطبي، ولامس قلوب الملايين من الأسر المحرومة من نعمة الأولاد.
ولقد شهدت طريقة إدواردز تطوراً كبيراً عبر السنوات، ونتج عنها ولادة أكثر من أربعة ملايين من أطفال الأنابيب حتى الآن. وإضافة إلى ذلك أسهمت تلك الطريقة في تطور كثير من العلوم الحديثة، بما في ذلك بحوث الخلايا الجذعية.
وقد نشر البروفيسور إدواردز عدداً كبيراً من البحوث، وأكثر من اثنين وعشرين كتاباً. وحصل – بعد فوزه بجائزة الملك فيصل العالمية، عام 1989م – على عشرات من درجات الدكتوراه الفخرية والجوائز العلمية والطبية الرفيعة، كما منحته ملكة بريطانيا وسام الإمبراطورية.
ويذكر أن مجمع الفقه الإسلامي أفتى، عام 1986م، بجواز الاستفادة من تقنية أطفال الأنابيب عند الحاجة بشرط أن تكون الأمشاج من الزوج والزوجة، وأن تزرع البويضة بعد إخصابها في رحم الزوجة فقط. وانتشار المراكز المتخصصة في أطفال الأنابيب في مدن وطننا العزيز دليل من أدلة متعددة على انفتاح علماء الشريعة لدينا على مستجدات العلم ما دامت لا تتعارض مع ثوابت هذه الشريعة، لاسيما إذا كانت تحقق مصلحة واضحة.