أدرك العالم -وأميركا تحديدا- من هو سلمان بن عبدالعزيز، وقتما لوّح بيده دون أن يستأذن أحدا، فاستجابت له الدول الإسلامية قاطبة، وأدرك أوباما قبل أيام -وقتما استقبل المحمدين- الجيل الجديد في القيادة السعودية
ترددت طويلا عندما دعاني رجل الأعمال محمد السالم لـضحوية قبل يومين على شرف سعادة قنصل عام الولايات المتحدة الأميركية بجدة السيد تود هولمستروم، وبحضور رجال أعمال ووجهاء، وسبب ترددي أن اللقاء كان يخص الاقتصاديين وأصحاب المال، ولست سوى إعلامي بسيط يجهل دهاليز الاقتصاد، ولا يفقه في البزنس، وليست لديه أية استثمارات.
بيد أنني استجبت أمام حفاوة الداعي وكرمه، وقلت في نفسي لعلي أستمع وأستفيد مما يدور في ذلك المجلس، وأقرأ كيف يفكر الأميركي ويستشرف الدور الاقتصادي لبلادنا، وجلست متهيبا في ذلك المجلس المكتظ الذي امتلأ لآخره بأشهر تجار مدينة جدة، مع بعض وجهائها.
وعندما أتاح الصديق السالم المجال للأسئلة، فوجئت برجل الأعمال الشهير خالد الفوزان يفتتح الحوار بالحديث متألما مما حصل من اتفاق الولايات المتحدة مع إيران بخصوص الطاقة النووية، ورغم إلماحة القنصل في إجابته إلى أن المجلس مخصص للشؤون الاقتصادية، إلا أنني استأذنته بعد إجابته العائمة المميعة بالتعليق، وقلت له: اسمح لي سعادة القنصل بأننا سنبدأ بما يلوب في أنفسنا أولا، فلا تمتعض من مبادأة أخينا الكبير الفوزان بالشأن السياسي، إذ الحرقة في نفوسنا لا تزال تكوينا، فموقفكم في موضوع سلاح إيران النووي كان غير موفق، وأتحدث هنا كمثقف ينتمي لهذا الوطن، وكاتب لا صلة له أو علاقة بالسلطة الرسمية، فما حدث من الولايات المتحدة فاجأنا جدا، بل وآلمنا، إذ لم تعتبر بكل الصداقة الطويلة معنا، ولم تقدر كل وقفات بلادنا معها على مدى تأريخ العلاقة بيننا، ونتفاجأ ونحن في أتون هذه الحرب مع إيران في جبهات سورية والعراق ولبنان والبحرين واليمن بمباحثاتكم معها بشأن سلاحها النووي دون أي تقدير لنا أو لدول الخليج، بل وتوصلتم لاتفاق لاحق معها يتيح تخصيب اليورانيوم، ما يعني إمكانية حصولهم على السلاح النووي.
الحقيقة أن معالي الوالد الدكتور عبدالعزيز خوجة وزير الإعلام الأسبق كان بجوار القنصل، وفي المجلس بعض الوجهاء؛ ما جعلني أخفف حدة مداخلتي وأنمقها، كي لا أفسد الجو الأخوي السائد، بيد أن مساحة المقالة فرصة لي هنا أن أوصل بكل وضوح ومباشرة ما أردت قوله لسعادة القنصل في تلك الضحوية المثيرة.
ما حصل من الولايات المتحدة -يا سعادة القنصل- نوع من الطعنة الغادرة تجاه حلفائها في الخليج، وإن احتفى أوباما بدول الخليج في كامب ديفيد قبل أيام، وحاول طمأنتنا وترقيع ما توصل له مع إيران في ذلك الاتفاق المنحاز، إلا أن الأصل امتعاضنا الكبير جدا، وعدم موافقتنا على الإطلاق على ما حصل، رغم كل الوعود التي أطلقت بمراقبة الجارة الصفوية الممتلئة أيديولوجية حاقدة تجاهنا، والسؤال الذي ينتصب هنا: هل ستسمح الولايات المتحدة لدول الخليج وبقية الدول المجاورة لإيران بتخصيب اليورانيوم أسوة بما سمحت به لإيران، وبالتأكيد – يا سعادة القنصل- سنرفع لافتة الاستخدام السلمي للطاقة النووية، تعمية بمثل ما فعلت إيران؟
بكل صدق، نشعر كمثقفين أن الرئيس الأميركي أوباما أراد من ذلك الاتفاق الذي أحنى رأس الولايات المتحدة، رغم كل الجعجعة الإعلامية التي صورت الاتفاق وكأنه انتصار لأميركا؛ أراد أن يسجل على حسابنا أنه أول رئيس أميركي استطاع احتواء إيران الخمينية، رغم أن المفاوضات التي جرت جعلت الولايات المتحدة تتنازل عن مكانتها، وتفاوض دولة صغيرة كانت تعدها إرهابية، وكل الحفلة البائسة في لوزان إنما بهدف الخروج بمكاسب سياسية في سجله الشخصي فقط، وعليه سيكون نفاقا فاقعا إن احتج أوباما -أو من سيخلفه غدا- على مشروعية امتلاكنا هذا السلاح، فنحن في عصر القوة، وإن سمح لعدو الخليج الأزلي بأن يمتلك هذا السلاح الذي سيعطيه تفوقا نوعيا، فلا يمكن لدول الخليج والسعودية بالتحديد أن تسكت، ووقتها ليرض من يرضى أو يسخط من يسخط، فلا يمكن إلا أن نتساوى، وهذا قضية واضحة -برأيي الشخصي- لا تقبل الجدل حولها.
من جميل القدر أن القنصل التركي بجدة كان موجودا، فوجهت له السؤال بأن النخب الخليجية السياسية تدفع باتجاه علاقات استراتيجية أمتن وأقوى مع بلاده، وأنني شخصيا استضفت المفكر السياسي الكويتي د. عبدالله النفيسي الذي كان ينادي في المرحلة السابقة بتجاوز الإخوان والسيسي وإقامة تحالف استراتيجي مع تركيا لاحتواء خطر إيران، فتركيا لن تستطيع وحدها مجابهة إيران وحل مشكلة سورية، ودول الخليج والسعودية كذلك تحتاج للدولة الاقتصادية القوية، لإكمال الترس السنّي الصلب (باكستان-السعودية-مصر-تركيا)، وأن التقارب الأخير بين السعودية وتركيا حيال سورية أزعج الولايات المتحدة بحسب تقرير لوكالة آسوشيتد برس، أعدَّه مراسلها من إسطنبول قبل أسبوعين.
بالطبع وصلت الرسالة الأخيرة لمن أردت أن يستقبلها، ودخل معترضا القنصل الأميركي وهو يضحك على هذه الملاحظة، وأكد أن بلاده مرتاحة للتقارب بين السعودية وتركيا، وأن أي حل يوصل للسلام في المنطقة، لا تعترض بلاده عليه.
همست للصديق الذي بجواري، وقلت له: بالتأكيد أدرك العالم والولايات المتحدة تحديدا من هو سلمان بن عبدالعزيز، وقتما لوّح بيده دون أن يستأذن أحدا، واستجابت له الدول الإسلامية قاطبة، وأدرك أوباما قبل أيام وقتما استقبل المحمدين، فارس الحرب على الإرهاب، وفارس عاصفة الحزم؛ من هو الجيل الجديد الذي يقود السعودية في الحقبة المقبلة!!