حينما نتحدث عن التنمية فلا يمكن أن نعزلها عن المشاركة المجتمعية التي يفترض أن يدفعها حب العمل من أجل المصلحة العامة، وتأتي صورها بالمشاركة بالمال والجهد والوقت، كذلك المشاركة بالرأي والمشورة وغيرها، ولكن الحاصل كنتيجة لضعف هذا العامل ومقوماته، وبسبب ضعف المستوى الاقتصادي لدى شريحة واسعة من الأفراد، نتج لدينا انتشار الجهل والسلبية واللامبالاة والاتكالية، إضافة إلى تهميش المرأة وقلة الاعتراف بأهليتها ودورها الاجتماعي بمعنى إعاقة نصف المجتمع، وهذا يأتي في ظل غياب عوامل الاستثارة للوعي المجتمعي بأهمية المشاركة في التنمية على وجهيها الاقتصادي والاجتماعي معا.
يمكن وصف حالة مجتمعنا الراهنة بالوقوع بين مرحلتين، الأولى: التي يغلب فيها التأخر الاقتصادي، والثانية: التي توجد فيها محاولات جاهدة لترشيد الاقتصاد وتخليص المجتمع من أسباب التخلف والجمود الذي يتسم به، لكنها محاولات لا تنعكس على الواقع وذلك تبعا لسوء التخطيط والإدارة وسوء استغلال الموارد الطبيعية، فليس غريبا أنه حتى بعض الدول النفطية يعتريها التخلف الاقتصادي حين تضعها مظاهر حياتها في ظل هذا التوصيف، وهذا ينعكس على المستوى الاجتماعي في ظاهرة ارتفاع الميل للاستهلاك، وعدم توافر الخبرات الفنية، وهجرة الكفاءات الوطنية للعمل أو التعليم في الخارج، إضافة إلى ضعف الموارد اللازمة لتكوين استثمارات جديدة.
وهنا تحدث الفجوة بمعنى أن الحركة الاقتصادية لا تتناسب مع الحركة السكانية.
يمكن لبرامج التنمية أن تتم عبر مدخلين أساسيين، أولهما: الخدمات العامة التي يفرض على الدولة القيام بإحداث التغييرات البنائية المطلوبة في المجتمع من خلال إجراء البحوث وتقديم الخدمات النوعية المتخصصة في كافة المجالات، أما الثاني: تنمية المجتمع المحلي من خلال الاستفادة من الطاقات البشرية لتتعاون مع الجهود الحكومية نتيجة فهم واقتناع وليس بالإجبار، وذلك من أجل تحسين الأحوال المعيشية والظروف الاقتصادية، وهذا يقوم على مجموعة من القيم والمبررات الاجتماعية والحضارية، فالتغيير السليم ينبثق من المجتمع ولا يفرض عليه، وهذا من شأنه إثراء الحياة وتعميقها وتجددها، من خلال تكامل وتفاعل مستمر بين قوى المجتمع والمجتمع المحلي، إسهاما في تغيير الأوضاع الاجتماعية لتساير ظروف العصر، وإقامة بناء اجتماعي تأتي منه علاقات جديدة وقيم مستحدثة تسمح بتحقيق المطالب والحاجات.
إن المشاركة الشعبية هدف لأسلوب الحياة السليم، حيث يستند على اشتراك المواطنين في مسؤوليات التفكير والعمل من أجل مجتمعهم، وهو كذلك وسيلة يشعر الناس بأهميتها من خلال الممارسة التي تتأصل في عاداتهم وتصبح جزءا من الثقافة والسلوك.