المثقفون دائما قلقون متوترون وقد لا يعجبهم العجب، تجلس إلى أحدهم فتجده على قلق كأن الريح تحته، ينقم على مجتمعه ومحيطه ومجاله وشخصه أحيانا، قل لي متى جلست إلى مثقف أو مبدع يوما ما ثم لم ينطوِ حديثه على نقمة أو رواية محبوكة أو مصادرة لنتاج أو جهد لشخص آخر. المثقفون الغاضبون نمط يشتمل عليه المشهد، بل هو أحد مكوناته التي يمتاز بها، ويرتكز في أبعاده إليها، بل هو مناط الحراك النقدي المنشور في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي عبر المناوشات والنقد السلبي والإسقاطات المتبادلة، المثقفون الغاضبون ليسوا بدعا من الناس ولا شرا مستطيرا، بل هم حالة طبيعية يفرضها المزاج العام للمشتغلين بالثقافة والفكر عموما، بالأمس قرأت حوارا لمترجم عربي قدير يسقط على ناقد عربي كبير بأنه شغوف بالهيمنة، وأن المكان والفعل يشكلان على مقاسه، وأنه لم ولن يسمح لأي مشروع أن يتقدم ما دام متشبثا بالكرسي الأعلى في المؤسسة المشرفة على الفكر والثقافة في بلده، ولي من الأصدقاء المثقفين والمبدعين من يرون أن المؤسسات لا تقوم بدورها - وقد أشاركهم بعض ما يطرحونه - وأن الأشخاص الموكل إليهم مهام إدارتها ليسوا في مستوى المكان والطموح، فإذا استبدل الأشخاص عانوا من النقد ذاته ويمكن أن تكون الكيفية ذاتها.
هنا لا يمكن أن نوجه اللوم جزافا، ففي أحايين كثيرة نحتاج إلى هذا النمط من المثقفين شريطة أن يمتزج نقدهم بالموضوعية وبالنظرة المتكافئة إلى الإيجاب والسلب فيما تقدمه المؤسسة، وما أجمل أن يهتم المثقف الغاضب بتقديم المقترح البديل الفاعل وفق تصور للحالة برمتها بحيث لا ينطوي على إقصاء أو مصادرة أو تهميش.
العالم ليس جميلا كما نأمل ونحلم، لكنه في نظر المثقف العضوي الهادئ يمكن أن يكون بهيا لأنه يراه كذلك ويتوقعه كذلك، ويحياه أيضا كذلك على الرغم من الصعوبات والعقبات، يتعامل معه كمادة قابلة للتشكّل والتلوين وإضفاء صبغة المغايرة، العقلانية هي المحك والسبيل في آن، فيما الحظ الذاتي والارتماء في وهج العاطفة سيبنيان سدا منيعا أمام كل نوايا المبادرة والمشاركة النافذة الحقة، فتتبدى التوصيات همزات ولمزات، ويستحيل المقترح اعتراضا وصلفا، وتتحول الثقة إلى حزمة شكوك واخزة.