انتهيت قبل أيام من قراءة رواية عالم صوفي للروائي النرويجي جوستاين غاردر التي تعد من أشهر الروايات العالمية، نظرا لأنها تناولت مواضيع الفلسفة بشكل روائي مبسط، جعل فهم كثير من الأفكار المعقدة التي قال بها الفلاسفة من سقراط إلى جان بول سارتر أمرا ممكنا، بل استطاعت الرواية أن تحول تلك الأفكار إلى صور حية يعيشها كل فرد منا عبر الإسقاطات الذكية والاستفهامات المثيرة للتفكير والمحفزة له.
الرواية على الرغم من افتقارها إلى الإبداع الفني أو الحبكة المثيرة، إلا أنها استطاعت أن تخاطب عبر الكم الكبير من المعلومات والاستفهامات عقل البالغين والمراهقين، إذ كانت كما وصفها لي أحد الأصدقاء الأجانب مدخل أبنائنا لعالم ثقافي فكري فلسفي يجمع المتعة بالفائدة.
رحلة الفتاة صوفي الفلسفية مع أستاذها البرتو كنوكس أثارت لدي كثيرا من الأسئلة لعل أهمها هو السبب الذي يدعونا كمجتمع بمؤسساته التعليمية والثقافية والتوجيهية إلى الخوف من الإدراك والتعامل مع الأفكار الفلسفية باعتبارها إنتاجا إنسانيا يمكن أن يضيف إلينا ويحسن من أدائنا وتعاطينا مع العالم ومن فيه!
ما زالت الفلسفة تعامل لدينا وكأنها زندقة وهرطقة ورجس من عمل الشياطين، في حين أن تاريخنا الإسلامي يشهد كثيرا من أعظم فلاسفة البشرية الذين تركوا أثرا كبيرا على الفكر الإنساني من أمثال: الكندي والرازي وابن رشد وابن سينا وغيرهم، وهي الأسماء ذاتها التي نجد كتبنا تزخر بالتفاخر بهم، عندما يكون الحديث مرتكزا على الجوانب العلمية من أعمالهم.
الدكتور مصطفى محمود العالم المصري الشهير صاحب البرنامج التلفزيوني العلمي العلم والإيمان له كتاب شهير اسمه رحلتي من الشك إلى الإيمان، يسرد فيه رحلته كمواطن مصري بسيط، تشكك من كل شيء بما فيها الثوابت التي تربى عليها، إلى أن أصبح بفضل العلم والتفكير والتفكر من أعظم العلماء الذين تحدثوا وجاهدوا بعلمهم، من أجل تبيان عظمة ودقة الخالق بالدليل والإثبات اللذين لا يشوبهما شك.
الخوف من الفلسفة والتفكير هو نقطة ضعف أي مجتمع، فالفلسفة بإمكانها أن تفرش لعقولنا الأرضية التي من خلالها نستطيع أن نتجاوز جمود الواقع نحو مستقبل أكثر تطورا وإنتاجا وإبداعا.