الوزارة غير معذورة في ترك هؤلاء الطلاب دون قرار حاسم يجعلهم يجمعون أمرهم ويصدرون قرارهم، إما البقاء والصبر حتى تلتزم الوزارة بما وعدتهم به وتضمهم ليكملوا دراستهم، أو العودة بدون الشهادة الحلم

المجتمع الجامعي في الغربة يختلف كليا عنه في السعودية مثلا؛ إننا نتحول تلقائيا إلى عائلة واحدة نتشاطر الهموم والآمال وأخبار الوطن، وتصبح معها قصص زملائنا المبتعثين على حسابهم الخاص ألما يؤرقنا جميعا، وليس هم وحدهم؛ وبخاصة أن رؤية ما يعانونه يكاد يصبح حدثا يوميا يحمل آلاف علامات الاستفهام لوزارة التعليم؛ مما يجعلني مجبرة على أن أوجهها لهم لعلنا نجد إجابة واضحة وسط هذا الصمت الغريب جدا!
ولتوضيح القضية، هم طلاب لم يتم ابتعاثهم من المملكة مباشرة لسبب ما في حالات كثيرة لم يكن لهم ذنب فيها، ورغبة منهم ومن أسرهم قرروا الحضور على حسابهم الخاص، وبخاصة أن وزارة التعليم كانت كريمة نسبيا في شروطها للانضمام للبعثة، حيث اشترطت الحصول على درجة اللغة والبدء في الدراسة الأكاديمية، ولأن المسلمين على شروطهم حزم هؤلاء الشباب حقائبهم لبلاد الغربة واثقين تمام الثقة بوعود الوزارة وأمنيات الأمهات والآباء.
لقد كانت الأمور تسير بعدالة وبرقي شديد؛ مما أثر في زيادة أعداد الطلاب المبتعثين على حسابهم الخاص، لكن بلا مقدمات تم إيقاف الضم وبدون إبداء الأسباب.
ولأن هؤلاء الطلاب بدأوا فعلا في دراستهم الأكاديمية كان من المفجع لأكثرهم توقف الضم؛ فثمة فارق كبير بين رسوم اللغة التي تحملها الآباء بطيب خاطر ورسوم الجامعات، أضف لها المصروفات اليومية حيث تصل الإيجارات في بريطانيا لخمسة آلاف لغرفة واحدة شهريا، ناهيك عن وجبة الإفطار فليست أقل من 42 ريالا؛ مما يجعل آلاف الشباب السعوديين الطموحين والمحملين بالآمال والطموحات عرضة للحاجة لمجرد أنهم وثقوا بالوزارة وتركوا كل شيء خلفهم، وبذلوا الغالي والنفيس حتى التزموا أمام جامعات برسوم أكاديمية وأمام عائلاتهم بالعودة بالشهادة، ثم انتهى الأمر بهم بالوقوف على أبواب الملحقيات مع آلاف الاستفسارات، أو تعليق آلامهم على جدران تويتر لعل أحدا من مسؤولي الوزارة ينتبه للمأزق الذي وجد هؤلاء الشباب أنفسهم فيه.
شخصيا أستمع كل يوم لشكوى أو قصة لموقف يثير الألم والحزن، وأقولها صراحة أجد ما يدمي القلب من حال كثيرين خاصة ماديا من طلاب سعوديين؛ مما يعني الكثير لاسم المملكة، وبعضهم تجده يعيش ظروفاً صعبة لئلا يحمل عائلته مصاريف إضافية، وبعضهم يعرض نفسه للخطر، حيث إن منهم من يخالف أنظمة الإقامة ويعمل أكثر من المسموح به ليحصل على أجر يغطي تكاليف دراسته؛ مما قد يعرضه للسجن، ولست أبالغ في القول إن هذا الوضع غير الإنساني يبدو لي ككارثة إنسانية لا تجدي الكلمات في وصفها.
 إن هناك الكثير من الاستفهامات تشغل هؤلاء الطلاب، فبعضهم يقول: إن الوزارة ضمت عبر ملحقياتها في أميركا بعض الطلاب، بينما نجد من هم أقدم منهم في بريطانيا لم يتم ضمهم! ولا أعرف إن كان ذلك صحيحا أم أن الآلام تجعل للصراخ أخطاءه وآلامه التي قد تجعل الأمور تُشكل على فهم الكثيرين.
بعض الطلاب أيضا يتهمون الوزارة الجديدة بتجاهل تحقيقهم للشروط وتركها لملفاتهم في الأدراج، وبعضهم يتساءل: هل تغيرت الشروط دون تنبيه هؤلاء الطلاب لهذا التغيير؟
بعض الطلاب أثبتوا تميزهم الدراسي وقدموا للوزارة ما يدلل على قدراتهم الأكاديمية في تخصصات تعد نادرة في السعودية ومطلوبة جدا على المستوى العالمي وليس السعودي فقط؛ ما يجعل من المثير للدهشة عدم ضمهم حتى الآن أو حتى تركهم يتقدمون إلى مؤسسات أو جامعات غربية تقدم منحا مع شروط العمل والاستقدام، فمع كون ذلك فيه خسارة لهذه الكفاءات لكنه حل إنساني في وسط ضغوط مادية يومية عليهم وعلى أسرهم قد تضر بمستقبلهم العلمي وتشغل عقولهم عمّا يتوقع منها.
 إن هؤلاء الطلاب لديهم جميعا صفحة في نظام سفير؛ أي أن الوزارة غير معذورة في تركهم دون توضيح أو قرار حاسم يجعلهم يجمعون أمرهم ويصدرون قرارهم هم أيضا؛ إما البقاء والصبر حتى تلتزم الوزارة بما وعدتهم به وتضمهم ليكملوا دراستهم ويعودوا رجالا ونساء تحت إمرة الوطن وكما يريد الوطن، أو العودة بدون الشهادة الحلم، مع دعاء الله أن يعوض ما خسروه من أموال وجهود وآمال!