أستعير العنوان موقتا من عنوان جانبي كتبه الروائي والشاعر نوري الجراح واصفا قصته الموجهة للأطفال الوسادة الفائزة بجائزة الدولة لأدب الطفل عام 2008 في قطر، فضاء العنوان كأنما يشي بأن الكتابة المعنية بالأطفال تدخل في إطار الأدب بنظرة اصطلاحية شمولية، فيقرأ النص من الكهول والصغار على حدّ سواء، وأن مسألة إضافة مصطلح الأدب إلى الطفل فيها نظر، ولعل المطلع على ما أنتجه الكاتب المصري كامل الكيلاني من قصص موجهة للطفل يرى أنه وفق مفهوم القرائية يمكن كذلك قراءتها من الكبار، ولنا في قصته الشهيرة رحلة شنطح خير مثال إذ حمل النص دلالات واسعة على صعيد البناء اللغوي، والعلاقات والانزياحات البلاغية ما يحيل إلى إعادة النظر فيما نكتبه نحن الكبار ليقرأه أبناؤنا الصغار.
إن قدرة الطفل على فهم كلمات النصّ وفهم العالم من حول النص، ثم فك رموز السياق اللغوي مما يرتبط بالمعاني مما اصطلح عليه بالقرائية ليشكل أداة مهمة تقدمها القراءة بل اللغة عموما عبر غمر الأبناء باللغة عوضا عن تعليمهم عن اللغة. أفهم أن هناك من يميل ويستند كثيرا إلى تراثيات علوم اللغة وتفصيلاتها الكثيرة وأقدر ذلك لولا أن طبيعة الحياة المتسارعة، وحركة متغيراتها تملي علينا إملاء ضروريا أن يتعلم الطفل اللغة عبر استراتيجية الغمر اللغوي ولا سبيل إلى ذلك إلا بالقراءة الماتعة الموصلة إلى القرائية المحللة والنافذة فهما ونقدا، إن مهمة المناهج اليوم أن تتأسس على فلسفة تعلّم اللغة العربية المبني على المعايير بما يعني أن كل طالب يمكنه التعلّم، ومما يتيح أن تنزاح اللغة من فصحى محشورة في علبة النحو إلى رحابة اللغة الشاملة بمهاراتها جميعها والتي منها القدرة على التواصل والتأثير، والانزياح من الفتنة باللغة إلى دور التفكير والتقصي وتسويق الأفكار كما عبرت عن ذلك إحدى الأوراق المقدمة في مؤتمر القرائية للجميع الذي انعقد خواتيم الشهر المنصرم في البحرين، إن بعض المقررات المعنية باللغة العربية التي تقدم لأطفالنا قد تكون من السوء بأن تحيلهم إلى متعلمين لا أشخاص يتعلمون باستمرار، الأمر الذي يفرض علينا التركيز على شقين مهمين حين تصدينا لحالة غمر الطلاب باللغة كما أسلفت، أولهما أنظمة اللغة وقوانينها والآخر الاستعمال اليومي اليسير والماتع والدال، ولن يتأتى ذلك دون برامج قرائية موسعة ومستمرة وشاملة عبر قصص مرافقة للكتاب المدرسي كما كان يحدث سابقا حينا كنا طلابا نابهين.