مليك الحسم والقوة والمساواة والعدل، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أوضح في أكثر من مناسبة حرص المملكة على التصدي لأسباب الاختلاف ودواعي الفرقة، ونبه على ضرورة القضاء على كل ما من شأنه (تصنيف) المجتمع بما يضر بالوحدة الوطنية.. وعدم إثارة ما يدعو إلى الفرقة أو التنافر بين أطياف المجتمع...
مجتمعنا السعودي لا يشعر بأي فرق بين أمير ومواطن، وشريف وضعيف، فالكل سواسية عند قيادتنا، والمخطئ يعاقب، ولو كانت أرومته عالية، أو من أبناء الحمائل.
حييّت هنا قبل شهور طويلة المواطنة سلوى هوساوي، وقتما لجأت للمحكمة الشرعية لتشكو الذي نعتها بـالعبدة، وتطالب بحقها الشرعي منه، ما جعل خصمها الذي تفوه بالكلمة العنصرية والجاهلية يهرع مبادرا للاعتذار منها، قبل أن يصدر القاضي الحكم الشرعي عليه، وتتطور الأمور ضده.
يقينا أن ذلك المخطئ سيفكر ألف مرة في التفوه بأية كلمة عنصرية أو عرقية مستقبلا، ويقينا أن خادم الحرمين الشريفين حاضر بقوة اليوم أمام أولئك الذين يودون الإساءة للحمة الوطنية والنسيج الاجتماعي المتماسك، وما فعله ذلك القاذف مع أختنا المواطنة محفوظ في سجلات المحكمة، والقاضي سيأخذ في اعتباره تلك السوابق، له أو لأي مواطن قام بهذه الممارسة العنصرية، وتمت شكواه للمحكمة.
من وحي تلك الحادثة، أناشد كل من يتعرض لإساءة عنصرية أن يبادر بالشكوى للمحكمة الشرعية، ليس لضعف أو عدم قدرة على الرد، بل لأنها الطريقة المتمدنة في أخذ الحقوق، ولتعميم ثقافة التقاضي عبر المحاكم للاقتصاص من التعدي العنصري اللفظي، ولكي يرتدع من قام بهذا الفعل الشائن أمام سمع وبصر المجتمع، خصوصا أن ثمة سوابق وقعت في الإعلام للأسف الشديد، ومرّت دون أي عقاب أو محاسبة، ما جرأ الآخرين على اقتراف هذه الخطيئة.
وقد حدث لي في إحدى حلقات حراك أن قام أحد المتداخلين -له صفته الاعتبارية الكبيرة في مجتمعنا- بلمز طائفي لضيفي في الأستديو، وكان من إخوتنا في القطيف، وقاطعته مباشرة، وطالبته بالاعتذار من الضيف أو أوقف الحلقة، فمن يستجيب لك في برنامجك، له حقوقه عليك كضيف بالكامل، بغض النظر إن وافقته أو عارضته في فكره أو ديانته أو مذهبه. المناقشة تكون لفكرة الضيف، ويردّ عليها بأقوى أسلوب، لكن شخصنتها خطأ وتعد.
دعونا نقعّد القضية، فالعنصرية التي نناقشها اليوم، تتعدد تعريفاتها بحسب الويكيبيديا، لكن يتفق الجميع على أن العنصرية: شعور يبديه الشخص تجاه شخص أو فئة معينة من الناس على أساس انتمائهم العرقي أو الديني أو الإثني، وكثيرا ما يكون هذا الشعور مصحوبا بكره أو عداء. ويمكن أن يمتد ذلك الشعور إلى أبعد من ذلك فيصل إلى تعامل أو تصرفات عنصرية، كاستعمال العنف أو الإكراه أو المنع من حق ما.
كتبت لمرات أن هذا الداء العفن يخترم مجتمعنا، ولكن من أظهره في الآونة الأخيرة للعلن، وطفح كمياه آسنة؛ هو الإعلام الرياضي وبأقبح شكل، وفشا في مجتمعات المدارس والجامعات، حتى بين الطالبات اللواتي كان جيل أمهاتنا وأخواتنا بعيدات عنه، للأسف باتت الفتيات يمارسنه من وحي الإعلام الرياضي المتعصب والتنشئة العائلية المنغلقة.
وبكل صدق، نحن بحاجة إلى وقفة صارمة قوية من الدولة والمجتمع تجاه الذين يمارسون التمييز العرقي والعنصري، كي لا يخل بنسيجنا الاجتماعي المتماسك، فالقانون سيد الأحكام، وكفانا تنظيرا وحديثا وشجبا، لأنه إن لم يتم التصدي فعليا لهذه الآفة، فستنتشر بشكل لا يمكن السيطرة عليه، وأتمنى مباشرة على سمو الأمير عبدالله بن مساعد ومعالي وزير الإعلام عادل الطريفي إصدار بيان صارم وعاجل، بإبعاد من يقوم بهذه الممارسة العنصرية أو يتلفظ بها عن ميدان الرياضة لمدة ثلاثة أعوام على الأقل، ولا يدخل الملاعب الرياضية، ولا يشارك في أي وسيلة إعلامية محلية أو خارجية، وإلا سيخضع لغرامات مالية، هذا بعيدا عن الحكم الشرعي لمن يريد استيفاء حقه الخاص عبر المحكمة، حتى يبتعد أولئك الذين أساؤوا لإعلامنا وسوّدوا صفحاته الورقية بهذه الروح التي وصفها سيد البشر صلى الله عليه وسلم بالجاهلية.
لا حلّ إلا بالقانون الصارم على الجميع، على الشريف والضعيف، وسترون أن العنصرية وتوابعها ستلجم ويرتدع أصحابها.