يجب أن نفتخر كمسلمين بعظمة الإسلام وما جاء به من مبادئ إنسانية عظيمة أساسها العدل والمساواة، من أهمها العدل أمام المرأة، والترغيب بمحاربة العبودية، والقسط حتى مع العدو، والمساواة بين الأجناس والأعراق

 قد نحتاج النقد كثيرا لإصلاح بعض الظواهر السيئة في مجتمعاتنا، ولكن يجب ألا نستغرق في هذا النقد لدرجة تنسينا أننا كمسلمين أول من بدأ بالإصلاح الإنساني في مرحلة مبكرة جدا قبل العالم كله بقرون طويلة، وسنرى هنا بعض الشواهد كيف أن الإسلام يعد صرخة من الإصلاح والحداثة الإنسانية خاصة في تلك المرحلة قبل خمسة عشر قرنا، بينما في بريطانيا مثلا؛ إلى أواخر القرن الماضي لم يكن للمرأة حق التصرف في ممتلكاتها إلا بموافقة الزوج، وهو مبدأ قانوني معروف لديهم (Coverture) استمر إلى أن صدر قانون (Married Women's Property Act 1893)، واستمر هذا في أميركا إلى الستينات الميلادية، بينما هذا حق مكفول للمرأة في قانون الإسلام قبل خمسة عشر قرنا!
هدف المقال هو مقارنة قانون الإسلام بقانون اليهودية في مرحلة بزوغ الإسلام، وإبراز الكثير من المفاهيم التي أسسها الإسلام قبل 15 قرنا، وكيف أن الكثير من تلك المفاهيم الإنسانية لم تأت للغرب اليوم إلا في مراحل متأخرة جدا عن الإسلام، وإن كان لدينا مشاكل كثيرة جراء الممارسات والفهوم الخاطئة للإسلام إلا أن محاكمة الإسلام (بما فيه اجتهادات الفقهاء) بمفاهيم اليوم دونما معرفة تاريخ نشأته وظروفها قد يكون مجحفا كثيرا.
الحقيقة أن هناك تشابها في عدد من الجوانب بين الفقه الإسلامي واليهودي فيما يتعلق بالمرأة، مثل واجبات الرجل المالية تجاه المرأة والأسرة من نفقة وسكن ورعاية ونحوها، وكذلك واجبات المرأة تجاه الأطفال ورعايتهم، حتى في دور العبادة فكان هناك أماكن مخصصة للنساء وأخرى للرجال مثلما هو الحاصل في المساجد.
ولكن على صعيد الحقوق؛ فإن المرأة كانت لا ترث نهائيا، بل كانت جزءا من ممتلكات الرجل، وهناك نص في التوراة يشير إلى أن الزوجة تعامل كأحد ممتلكات الزوج! ولهذا فإن المرأة الأرملة عند وفاة زوجها؛ تنتقل لتصبح زوجا لأقرب ذكر وارث للمتوفى لأنها جزء من أملاك الزوج المتوفى (سفر التثنية)! وهناك تطبيقات وقصص لهذا الأمر في الكتب المقدسة لديهم تذكر قصصا في هذا السياق وكيف أن المرأة يجب أن تذهب للرجل من نفس القبيلة وتنجب منه دون أي اعتبار لرغبتها وقرارها! بينما نعلم في الإسلام أن المرأة لها نصيب محدد من الإرث حتى من الزوج، وأنها تمتلك شخصية مالية منفصلة تماما عن الرجل، كما أن تزويجها لا يصح إلا بموافقتها هي على تفصيل في ذلك. نتحدث عن هذه الحقوق المكفولة في الإسلام قبل 15 قرنا بينما لم تنتقل هذه المفاهيم إلى أوروبا إلا بعد عصور الظلام وبعضها إلى أواخر القرن الماضي!
بالنسبة للطلاق؛ فإن المرأة في اليهودية لم يكن مباحا لها طلب الطلاق، وليس لها ذلك نهائيا، ومحكوم عليها البقاء تحت رحمة الزوج الذي لا تريده، إلى أن جاءت سلسلة من الإصلاحات لديهم وأعطوها حق طلب الفرقة من خلال المحكمة بإرضاء الزوج والدفع له. بالرغم من وجود فِرَق إلى اليوم (ألترا أرثوذكس) لا يؤمنون بحق المرأة في طلب الفراق من الزوج. بينما حق الخلع (وربما الطلاق أو الفسخ) مكفول لها منذ العصر الأول في الإسلام.
أما فيما يتعلق باحترام المرأة في الديانة اليهودية؛ فإن أساس اعتبار المرأة في كثير من الشرائع اليهودية جاء بناء على رواية أن حواء هي التي أغوت آدم عليهما السلام وتسببت في إخراجه من الجنة، وبالتالي فهي السبب في الخطيئة والمعصية، بينما كما هو معلوم في الإسلام أن إبليس هو الذي أغوى آدم وحواء وتسبب في إخراجهما من الجنة، ولا فرق بين الرجل والأنثى في هذا.
وبناء على هذه الرواية؛ فإن المرأة نجسة لديهم في وقت العادة الشهرية والنفاس، كما إنها لا يحق لها نسخ التوراة المقدسة، ولا يجوز التعبد بتوراة نسختها امرأة أو عبد! بل إن طُهر المرأة من نفاس المولود الأنثى يكون لديهم ضعف نفاسها من الذكر! وأعظم من هذا كله؛ أن المرأة غير مقبولة الشهادة في القانون اليهودي (خاصة الأرثوذكس)، وبعضهم يضع شهادة مئة امرأة عن شهادة رجل واحد!
ومن الإنصاف أن أقول أولا إنني لست متخصصا في الأديان وقد أخطئ فيما كتبت، كما إنه يجب ذكر أن الكثير من هذه الآراء تم التراجع عنها من عدد من الطوائف اليهودية، وكغيرها من الأديان فإن هناك حركة تصحيح ومراجعة مستمرة للكثير من الأفكار.
أعود وأقول إننا كمسلمين يجب أن نفتخر بعظمة الإسلام وما جاء به من مبادئ إنسانية عظيمة أساسها العدل والمساواة، من أهمها العدل أمام المرأة، والترغيب بمحاربة العبودية، والقسط حتى مع العدو، والمساواة بين الأجناس والأعراق (مكافحة العنصرية). وأعتقد أننا يجب أن ننمي تلك المبادئ ونعززها كونها مقاصد عامة جاء بها الإسلام.
الكلام أعلاه لا يعني إطلاقا أننا بلغنا الكمال وأننا لا يوجد لدينا مشاكل، بل بالعكس لدينا الكثير، وأعتقد أن تلك المشاكل نشأت من التأثير والتدخل البشري في الكثير من المفاهيم، والواجب التفريق بين الدين نفسه وبين التفسيرات والاجتهادات المتعددة لأتباع الأديان وفقهائهم، فهم مهما كانوا صادقين ومجتهدين إلا أن الخطأ وارد.
أختم كلامي بشاهد على عدالة الإسلام وإنسانيته وهو كلمة لمارك كوهين في كتابه تحت الهلال والصليب (Under the Crescent and Cross): اليهود كانوا مقبولين في بلاد الإسلام أكثر منهم في بلاد المسيحية.