بجانب الأعضاء المؤسسين لبنك آسيا للاستثمار، يمكن للمملكة ودول مجلس التعاون فتح أبواب النجاح عبر هذا البنك لأنواع جديدة من برامج التنمية على مستوى المنطقة، التي مع مرور الزمن يمكن أن تؤدي إلى تقليل حدة التوتر

انضمت 11 دولة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من بينها المملكة العربية السعودية، إلى 57 دولة منحت صفة العضو المؤسس لبنك آسيا للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) الذي بادرت الصين بإنشائه. ومن هذه الدول - التي حظيت بالعضو المؤسس - مصر والسعودية والأردن والكويت، وعمان، وقطر، والإمارات العربية المتحدة وباكستان وتركيا. ومن المقرر أن يبدأ البنك، الذي أعلن عنه لأول مرة في صيف 2014، أعماله في نهاية 2015، برأسمال أولي يبلغ 50 مليار دولار. ويُعد الإعلان الرسمي عن قائمة الـ57 عضوا مؤسسا للبنك نجاحا مذهلا.
ومما يؤسف له بالنسبة للولايات المتحدة، رفض الرئيس باراك أوباما انضمام أميركا للبنك، وفي الواقع عارض أوباما بشدة فكرة إنشاء البنك منذ البداية. ومن وراء الكواليس أفادت المصادر المالية الدولية أن إدارة أوباما مارست ضغطا على حلفائها المقربين، من كوريا الجنوبية إلى أستراليا ثم بريطانيا والاتحاد الأوروبي، للنأي عن الاستجابة لدعوة الصين المفتوحة للجميع. وبكل أدب، لكن بحزم، قال حلفاء الولايات المتحدة، الواحد تلو الآخر، إننا متجهون إلى ما نرى فيه مستقبلنا. وبصوت منخفض رفض الحلفاء نصيحة أوباما للنأي بعيدا عن البنك بقولهم: قد تكون بنوككم أكبر من أن تفشل، لكن الصين أكبر من أن نتجاهلها. 
وعندما تجاهل الحلفاء الرئيسيون للولايات المتحدة، مثل المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية وأستراليا، ضغوط أوباما عليهم بالبقاء بعيدا عن بنك آسيا، بدت واشنطن كأنها هي المعزولة وليست بكين. وبحلول الوقت لبدء الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين الأسبوع الماضي، كان بنك آسيا قد جذب مزيدا من الاهتمام. وبدلا من المراوغة حول شروط سداد الديون والقروض القديمة - السمة المميزة لصندوق النقد الدولي - كانت تلك الدول متحمسة لمعرفة المزيد عن مستقبل تمويل البنية التحتية. وأفاد مسؤول مخضرم في صندوق النقد الدولي بأن الدول الأعضاء في الصندوق أرسلت صغار ممثليها لحضور الاجتماع السنوي في واشنطن هذا العام، لأن الاقتصاد العالمي يبحث عن شيء جديد، لأن قائمة عروض صندوق النقد والبنك الدوليْين باتت قديمة جدا.
وبنهاية اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، كان الكثير من كبار الشخصيات المالية في وول ستريت يتساءلون: لماذا خسر أوباما معركة مع بكين اختارها هو بنفسه؟ لقد حاول أوباما أن يشكل اتفاق تجارة حرة ضخمة، باسم اتفاق الشراكة عبر الهادي المعروف اختصارا بـتي بي بي، كبديل لبنك آسيا للاستثمار، لكن لم يتمكن أوباما، حتى الآن، من تمرير ذلك الاتفاق عبر الكونجرس.
قال وزير الخزانة الأميركي الأسبق هنري بولسون المدير التنفيذي السابق لبنك جولدمان ساكس في عهد جورج دبليو بوش للصحافة يجب علينا الانضمام إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، لكنه استدرك قائلا، سيكون من الصعب جدا الحصول على تصويت الكونجرس الأميركي بالموافقة على أي شيء يكون مؤيدا للصين. ووفقا لصحيفة تشاينا ديلي الصينية، قال بولسون: لا أعتقد أنه إذا أرادت الإدارة الأميركية الانضمام لبنك آسيا للاستثمار سيكون ذلك بموافقة أعضاء الكونجرس، لكن أعتقد أنهم بالتأكيد يمكنهم القول: نحن نريد أن نكون مراقبين، ونريد أن نعمل معكم.
ولكن بولسون مثل أوباما، يرى بنك آسيا للاستثمار منافسا، فإذا فشلت مبادرة أميركا المسماة اتفاق الشراكة عبر الهادي فسينجح بنك آسيا بقيادة الصين. ولكن على حد تعبير مؤسس البنك، الرئيس الصيني شي جين بينج، لا يوجد خاسر... البنك مفتوح للإنسانية، والعمل معا، وهذا ما يحقق الفوز للجميع. 
بادرت الصين بإنشاء البنك في العام الماضي، كجزء من أكبر شبكة من المؤسسات الاستثمارية الجديدة، التي تضم أيضا مجموعة بريكس البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا وبنك تنمية طريق الحرير البحري، وبنك التنمية لمنظمة شنغهاي للتعاون.
لقد أرسى الرئيس الصيني شي جين بينج الديبلوماسية الخارجية للصين على سياسة أطلق عليها اسم طريق واحد، وحزام واحد، في إشارة إلى خطط لبناء طريق الحرير الجديد وطريق الحرير البحري، لربط أوروبا وآسيا وأفريقيا من خلال شبكة من السكك الحديدية عالية السرعة وطرق وموانئ جديدة في المياه العميقة وممرات تنموية على طول الطرق. وسيكون الشرق الأوسط الكبير ملتقى طرق، وبالتالي ربما يكون الأكثر أهمية لجميع مشاريع التنمية في العالم.
تقول مصادر مقربة لبنك آسيا للاستثمار إن القرار الذي اتخذته دولة الإمارات العربية المتحدة للانضمام للبنك كان ذا أهمية خاصة، في اصطفاف القرارات الإقليمية الأخرى للانضمام للبنك الجديد، حيث إن أموال دول الخليج المنضمة لبنك آسيا تقدر بنحو 4.3 تريليونات دولار من احتياطات العملة الصعبة والاستثمارات الهائلة الممكنة، فضلا عن توفير إمكانات للمنطقة لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل، على الرغم من حالة الحروب الراهنة التي تشهدها اليمن وليبيا والعراق وسورية.
مع التوسع في مشروع قناة السويس الجديدة، وهو مشروع هائل من شأنه أن يكتمل بحلول نهاية هذا العام، وطريق الحرير البحري، الممتد من الصين عبر جنوب شرق آسيا على طول المحيط الهندي عبر القرن الأفريقي إلى داخل قناة السويس وإلى داخل البحر الأبيض المتوسط، يمكن أن يكون طريقا بحريا رئيسا جديدا لجذب تجارة مهمة عبر مصر. ففي مؤتمر المستثمرين الذي عقد في الآونة الأخيرة بشرم الشيخ، تعهَّد المستثمرون الخليجيون والآسيويون بالاستثمار في بناء مناطق تجارية ومدن علمية وغيرها من المشاريع الإنمائية الأخرى في منطقة قناة السويس.
وفي حين يبقى أن نرى ما إذا كان المستثمرون سيتخوفون من عدم استقرار المنطقة بسبب زيادة الأعمال الإرهابية التي يمارسها تنظيم داعش والإسلاميون المتشددون في منطقة سيناء المصرية، فإنه لا يمكن إغفال الإمكانات المستقبلية التي سيوفرها بنك آسيا للاستثمار والمؤسسات الاستثمارية الجديدة الأخرى المرتبطة بمجموعة بريكس.
في الحقيقة، إن مثل هذا العدد المتنوع من دول المنطقة المنضمة لبنك آسيا للاستثمار هو عامل جديد آخر في المعادلة الإقليمية. فهل يمكن أن يكون أحد البنوك ساحة أرحب للتغلب على الصراعات الحالية؟ بجانب الأعضاء المؤسسين للبنك، يمكن للمملكة ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، فتح أبواب النجاح عبر هذا البنك لأنواع جديدة من برامج التنمية على مستوى المنطقة بأسرها، التي مع مرور الزمن يمكن أن تؤدي إلى تقليل حدة التوتر.