تميزت أعماله بالجوانب التأملية والفصاحة الإبداعية
حزن عميق عم الأوساط الثقافية في السودان، على رحيل الشاعر محمد مفتاح الفيتوري، الذي انتقل إلى جوار ربه بعد صراع طويل مع المرض، في وقت متأخر ليل أول من أمس بمستشفى الشيخ زايد في العاصمة المغربية الرباط عن عمر يناهز 85 عاما.
ويعد الفيتوري من رواد الشعر الحديث، ويلقب بشاعر أفريقيا والعروبة، وكتب كثيرا عن القارة السمراء ونضالها ضد المستعمر، وألف دواوين كثيرة منها أغاني أفريقيا 1955، وعاشق من أفريقيا 1964 واذكريني يا أفريقيا 1956. ومن أشهر قصائده ياقوت العرش. كما واكب الراحل ثورات التحرر من الاستعمار في أفريقيا في الخمسينات والستينات من القرن الماضي وأسهم في كتابة المسرح الشعري العربي.
وتم تدريس بعض أعماله ضمن مناهج آداب اللغة العربية في مصر في ستينيات وسبعينات القرن الماضي كما تغنى ببعض قصائده مغنّون كبار في السودان. وقد نال كثيرا من الأوسمة والجوائز في أقطار عربية عدة كالسودان والعراق ومصر وليبيا والمغرب.
ففي قصيدة تحت الأمطار نجده يتحرر من الأغراض القديمة للشعر كالوصف والغزل، ويهجر الأوزان والقافية، ليعبر عن وجدان وتجربة ذاتية يشعر بها، وغالبا ما يركّز شعره على الجوانب التأملية، ليعكس رؤيته الخاصة المجردة تجاه الأشياء من حوله مستخدما أدوات البلاغة والفصاحة التقليدية والإبداعية.
وتعد أفريقيا مسرحا أساسيا في نصه الشعري، وشكلت فيه محنة الإنسان الأفريقي وصراعه ضد الرّق والاستعمار ونضاله التحرري أهم موضوعات قصائده.وللهّم العربي أيضا مكانة في أعماله وخاصة القضية الفلسطينية، وكتب الفيتوري عن الحرية والانعتاق ومناهضة القيود والاستبداد والاعتزاز بالوطن منذ بداياته الشعرية ومنها قصيدة أصبح الصبح التي تغنى بها المغني السوداني محمد وردي.
ولم يسلم الفيتوري من مشكلات السياسة فاختلف مع الرئيس الأسبق جعفر نميري في أواسط سبعينات القرن الماضي، وهاجر إلى ليبيا وحصل على جنسيتها وأصبح ممثلا ثقافيا لليبيا في بلدان عدة. إلا أن الفيتوري عاد إلى وطنه عقب الإطاحة بالنميري في ثورة شعبية عام 1985، وأعادت له الحكومة السودانية جنسيته وجوازه السوداني، بعدما سحبهما النميري. واشتهر الفيتوري بمدرسته الخاصة في كتابة القصيدة، وإضافة إلى تغنيه بأفريقيا.
ولد الفيتوري، في 24 نوفمبر عام 1936 في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور بالسودان، ونشأ في مدينة الإسكندرية بمصر وحفظ القرآن الكريم في مراحل تعليمه الأولى، ثم درس بالمعهد الديني وانتقل إلى القاهرة حيث تخرج في كلية العلوم بالأزهر الشريف.
عمل الفيتوري محررا أدبيا بالصحف المصرية والسودانية، وعُيّن خبيرا للإعلام بجامعة الدول العربية في القاهرة في الفترة ما بين 1968 و 1970. ثم عمل مستشارا ثقافيا في سفارة ليبيا بإيطاليا، ومستشارا وسفيرا بالسفارة الليبية في بيروت بلبنان، ومستشارا للشؤون السياسية والإعلامية بسفارة ليبيا في المغرب.