كتب الأستاذ عبدالمحسن هلال في جريدة عكاظ السبت الماضي مقالا بعنوان: (الصحافة والتخصص) تساءل فيه عن سبب غياب التخصص في مجال العمل الصحفي، وعلى وجه التحديد المراسل العسكري، وهل هناك تقصير من قبل وسائل الإعلام في تأهيل المحررين أم أنه تقصير من الصحفيين أنفسهم.
من الواضح أن الأستاذ عبدالمحسن لاحظ -كما الكثيرون- ما يمكن اعتباره ضعفا في مستوى التواجد الصحفي العسكري المحترف على جبهات عاصفة الحزم، على الرغم من كثرة الأخبار التي تروج لها بعض الوسائل عن أول صحفية تنقل من هنا أو أول صحفي يغطي من هناك، في وقت يمكن لنا كشف الفارق الشاسع بين صحفيين يقومون بأعمالهم من منطلق الوظيفة كما هو الحال لدينا وبين صحفيين يقومون بنقل الوقائع باحترافية مهنية وبتخصص يضيف للمتابع مادة إخبارية متكاملة.
سبب غياب الصحفي المتخصص في تقديري يكمن في عدة عوامل: أولها أن المؤسسات الإعلامية تتعامل مع الصحفي باعتباره موظفا يقوم بعمله الكتابي من أجل تقديم مادة تتماشى مع الخط الرقابي للصحفية وللنهج الذي لا يجعل من عمله مدخلا لمشاكل قد تواجهها الصحيفة، فيستمر في أداء عمله وعين المدير على الصحيفة المنافسة تجاريا وتوزيعيا لا على تقديم المادة التي تحدث الفارق في المجتمع.
كما أن الممارسة في الدول المتقدمة صحفيا تشير إلى أن الصحفيين المتخصصين الذين تفتقر لهم صحافتنا هم في الأساس متخصصون في مجالاتهم قبل أن يكونوا صحفيين، فالعملية ليست تأهيل الصحفي ليفهم التخصص العسكري مثلا أو الطبي أو القانوني، بل هي تأهيل الطبيب والعسكري والقانوني في أن يصبح صحفيا، وبالتالي يتم تحويل المتخصص إلى صحفي متخصص وبدوره يقوم بالتعاطي مع الموضوع بدراية كاملة.
أذكر حينما عملت مراسلا لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيطالي في تغطية حرب تحرير الكويت عام 1991 تعاملت مع فريق من الصحفيين الذين كانوا جميعا من المتخصصين في الدراسات الشرق أوسطية أو العسكرية أو الشؤون السياسية، حيث لم يكن منهم إلا الفنيون الذين درسوا وتخصصوا في العمل الإعلامي التلفزيوني والإذاعي، ومنذ ذلك الوقت علمت أن دراستي للصحافة لن تمنحني إلا الأدوات للكتابة، أما العمق التحليلي المتميز فلن يأتي ما لم أتخصص معرفيا في مجال ما.