متى يتوقف جرح سورية النازف منذ أربع سنوات حتى اليوم؟ متى يشعر العالم بمسؤوليته تجاه هؤلاء المعذبين الذين يواجهون طائرات الطاغية ببنادقهم الفقيرة جدا؟ متى يولد طفل سوري ليكبر ويتعلم ويجد وطنا بأمل؟
متى سمعت عن قضية الشعب السوري؟ متى عرفت عن معاناة دمشق أو بكائيات حلب أو الألم الجاثم على صدر الرقة؟ هل تعرف كم قتيلا ذهب ضحية مجزرة حماة سنة 1982 التي نفذها النظام السوري؟
لقد بقينا أعواما طويلة لا نعرف عن سورية شيئا غير ما يرغب النظام السوري أن نعرف عبر مسلسلات الزير سالم وباب الحارة، والحقيقة أن الكثيرين دعموه حتى المعذبين الذين هجروا بلادهم كانوا يخافون على باقي أهلهم في سورية، فيقفلون أفواههم عن أي حديث قد يثير الوحش المتربص في دمشق.
أضف إلى ذلك أن حتى الإعلاميين كانوا يشعرون بالذعر من فكرة الحديث عن النظام السوري، ويكفي أن يقرأ أحدهم كيف عذب الصحفي العظيم سليم اللوزي ليفكر كل من يرغب في الحديث ألف مرة قبل أن يمسك بقلمه مرة أخرى.
لكن لطالما كانت هناك استثناءات ومن هذه الاستثناءات المناضل والشاعر السوري خلف علي الخلف.
اعتقل خلف من قبل النظام السوري وكان محظوظا أن أطلق سراحه، فغادر بلاده عام 2007 وبدأ بالكتابة والنشر، فكان مقاله الساخر تقرير علني إلى السلطات الأمنية بنفسي ثم كتب كتابه عن البلاد التي بلا أمل.. (الأسد الابن مملكته ومعارضيه)، ثم افتتح دار نشر نشر فيها مذكرات السجين السوري آرام كرابت المعنونة بـالرحيل إلى المجهول.. يومياتي في السجون السورية، وفيه يحكي الكاتب كيف اختطف النظام السوري زهرة شباب فتى كان بالصدفة البحتة في المكان الخطأ، كما أنه كان شريفا جدا فرفض أن يفتدي نفسه بأن يدعي على جيرانه وأصدقائه ليخرج من المعتقل بعد سنين ليجد لا شيء من شبابه بقي ينتظره!
كل ذلك قبل الثورة السورية، وقبل أن يصبح ظهور جرائم النظام أمرا عاديا وطبيعيا في الإعلام، لقد كان عمله شجاعا ونزيها يستحق الاحترام.
قبل أيام وصلني من خلف علي الخف ديوانه الشعري يوميات الحرب القائمة المتضمن إهداء كتب فيه:
إلى الشهداء والمعتقلين المجهولين، الذين لم يذكر أسماءهم أحد...
من السويد البلاد قبل الأخيرة التي يسكنها أحد على أمل أن تكون سورية البلد الأخير التي سيعود إليها خلف نشر يومياته التي كتبها على مدى عامين وتسع مدن في سورية وخارجها، معبرا شعرا عن عذابات الشعب السوري منذ اللحظة التي رحبوا فيها بالحرب بعد أن قرر النظام شنها على الشعب الأعزل.
يقول خلف للحرب:
أهلا بك أيتها الحرب
فالبيت بيتك ونحن أهلك
ستشربين ما تشائين من دمائنا
ستأكلين حتى تشبعي من جثثنا
عدينا، فقط أنك ستأخذين الطاغية معك في طريق العودة
في الديوان تساؤلات وإجابات أبلغ من كلمة، في يوميات خلف الحزن يتحدث والغضب أيضا، وذكرى الشهداء تبقى كسيرة مقتضبة للألم الموجع في سورية:
أين يذهب الشهداء يا أبي
إلى السماء يا بني..
يحرسون الشمس كي لا يطفئها الطغاة
وماذا يفعلون في الليل؟
في الليل يهبطون ليحرسوا أحلامنا
في واشنطن قام مجموعة من الشباب السوريين بصنع سلسة من صور شهداء الثورة السورية حول البيت الأبيض لتضم أكثر من 200 ألف صورة لنساء وأطفال وشباب وشيوخ كان ذنبهم الوحيد أنهم أرادوا وطنا خاليا من الطغاة.
في آخر اليوميات يكتب خلف:
وداعا سورية
وداعا يا أمنا
التي بكتنا كأعمى لا يعرف الطريق
التي ستنتظرنا كعاشقة بيقين لا يبصر أننا سنعود
أتساءل: متى تنتهي هذه الحرب؟ ومتى يتوقف جرح سورية النازف منذ أربع سنوات حتى اليوم؟
متى يشعر العالم بمسؤوليته تجاه هؤلاء المعذبين الذين يواجهون طائرات الطاغية ببنادقهم الفقيرة جدا؟
متى يولد طفل سوري ليكبر ويتعلم ويجد وطنا بأمل؟
وضع خلف ريع ديوانه الذي أهداه للشهداء المجهولين لمستقبل سورية لتعليم أطفال سورية اللاجئين الذين قد تصادفهم يبيعون المناديل في شوارع إسطنبول أو أزقة عمان أو على كورنيش بيروت... بانتظار عودة الوطن المسلوب!!