على إيران أن تسارع بالتخلي عن دعم بشار، وأن تترك لبنان واليمن، كي نقتنع فعلا أن نواياها في إصلاح خطاياها بحق أمتنا حقيقية، حينها فقط، سنتمنى لها أحلاما وردية بعد نومها الطويل على سرير ملطخ بدمائنا الطازجة
إيران، هل هو وقت الحلم؟ تحت هذا العنوان كتب الصحفي الفرنسي الشهير برنار جيتا في صحيفة ليبراسيون الفرنسية مجيبا على بعض التساؤلات التي تشغل الصحافة الفرنسية منذ بدء الحلف العربي السعودي ضرباته ضد الحوثيين الإيرانيين في اليمن وأهمية المنعطف الذي شكلته وستشكله هذه الخطوة في المشهد العربي الغارق في الفوضى، بالتزامن مع اتفاق لوزان التاريخي وإمكانية تغييره، ربما، لخارطة الطريق العربية الراهنة.
إنه حلم، ولكنه ليس مستحيل التحقق. يقول الكاتب المختص في شؤون السياسة الدولية:
إذن فلنفعلها ونحلم للحظة، أن اتفاقية لوزان حول إيران النووية ستتجسد قريبا بكل تفاصيلها، والجمهورية الإسلامية ستتنازل عن بناء القنبلة وستُزال العقوبات الاقتصادية عنها، والثقل البراغماتي والإصلاحي في طهران سيتعزز. ستكون هناك نتيجتان: الأولى هي أن النظام الإيراني سيصبح بإمكانه إطلاق عملية التحرر السياسي التي يتطلع إليها الشعب الإيراني منذ فترة طويلة، والثانية أن إيران الشيعية ستسعى في الوقت نفسه إلى تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال السعي إلى تسوية مع الدول السنية في الشرق الأوسط، بدلا من دعمها الحالي لبعض المجموعات الشيعية ضد السنة. هذا هو السيناريو الوردي والوردي جدا الذي يكاد يكون حلما، إلا أن هناك ثلاثة أسباب لإمكانية تحققه كما يرى الكاتب:
الأول هو أن مفاوضات لوزان شهدت رغبة كبيرة من قبل الإيرانيين للوصول إلى تسوية وليس من المنطقي أن تختفي هذه الرغبة بعد أن نفذت إيران الجزء الأساسي من العملية. الصعوبات كبيرة، وسيكون على أوباما أن يحسب حساب الأغلبية الجمهورية في الكونجرس، وأيضا، وبشكل خاص، حساب حليفته إسرائيل من جهة، والمملكة من جهة أخرى مع حضور جبهات رافضة لهذا الحل لأنه سيجعل إيران دولة تقف على العتبة النووية في المنطقة، أي أن بلدا لا يملك قنبلة نووية إلا أنه سيكون قادرا على الحصول عليها إذا رغب. والكاتب يقصد هنا إمكانية لجوء إيران إلى التحايل في استخدام النسبة المسموحة لها في تخصيب اليورانيوم التي حددت بـ5 إلى 10% وأيضا خشية أميركا وإسرائيل من مطالبة السعودية بحقها في الحصول على القنبلة النووية، كما آمل أنا شخصيا.
ويتابع الكاتب: حسن روحاني، الرئيس الإيراني المنتصر في انتخابات يونيو 2013 لأنه يجسد الأمل في المصالحة مع بقية العالم -بحسب جيتا- سوف يضطر إلى تذليل الصعوبات الإقليمية وفي الوقت نفسه أيضا إلى مواجهة معارضة متشددة تمنعه من تفعيل شعبيته والاستفراد بالسلطة بعد نجاحه في رفع العقوبات. كما أن المعركة في طهران ستكون حامية كنظيرتها في واشنطن، إلا سيكون من الصعب على الجمهوريين الاستمرار في معارضتهم لاتفاق لوزان، لأنه، ببساطة، يجنب بلادهم حربا لا ترغبها أميركا، سيصبح المحافظون الإيرانيون أكثر تشددا بعد تخلي علي خامنئي المرشد الأعلى للنظام عنهم، الذي لولا تأييده لروحاني لما تمت الموافقة على التنازلات الإيرانية المقدمة في لوزان. يضاف إلى ذلك خزائن الدولة الفارغة، وحكم الملالي المرغم على استعادة قوته قبل أن تتفاقم الأزمة الاقتصادية الحالية المُهدِدة بالانفجار، باراك أوباما نفسه سيعتمد على الرأي العام الأميركي لدعم تنفيذ الاتفاق، ما يجعلنا نتوقع إمكانية تطبيقه على الأرض. السبب الثاني الذي يتيح إمكانية الحلم هو أن الثورة الإيرانية لم تعد شابة. فبعد 35 عاما مضت على انطلاقها بات لزاما عليها أن تتعامل مع أغلبية هائلة من الشباب الرافضين لهذه الديكتاتورية الإمبريالية القادمة من عصور ما قبل التاريخ، الذين لا يجدون مبررا كي يعيشوا في جحيم الأوضاع الاقتصادية الخانقة في بلد بنيته التحتية الغنية جدا ومستواه الثقافي يؤهلانه كي يصبح جنة.
منذ أكثر من خمسة عشر عاما يرغب الإيرانيوون في التغيير وما انتخاب الإصلاحي محمد خاتمي في 1997، والمظاهرات الحاشدة التي شهدتها طهران ضد تزوير الانتخابات الرئاسية في 2009، وانتخاب حسن روحاني مؤخرا سوى دليل على هذه الرغبة المتزايدة في التغيير. الفجوة بين دولة القانون والدولة الفعلية عميقة جدا، ناهيك عن الانفجار الشعبي الذي يهددهم في ظل عدم توافر بدائل لدى النظام الحاكم. ويمكن إما الاستمرار في الانجراف للدكتاتورية التي يدعمها الحرس الثوري، أي دولة داخل الدولة وسلطة عسكرية ومالية، أو اختيار انفتاح تقوده السلطة نفسها ليبقى تحت سيطرتها. روحاني يمكن أن يصبح مهندس انتقال توافقيا وتعزيزيا، لتسوية تاريخية بين السنة والشيعة، تقوم على خطط سير متفق عليها وعلى الخوف المشترك للطرفين من المتطرفين. وهذا هو السبب الثالث لعدم استبعاد سيناريو وردي لاتفاق لوزان بغض النظر عن حجم التحديات في واشنطن وطهران ودمشق وبغداد وصنعاء وبيروت.
بهذه الكلمات يختم المحلل الفرنسي مقالته بعد أن حدد بدقة إحداثيات المشهد الإيراني الداخلي ونسبيا الإقليمي، فالتحالف الذي تقوده السعودية علامة فارقة في الخط البياني لمصير المنطقة العربية ووقف الضخ الإيراني للميليشات المسلحة في سورية والعراق واليمن ولبنان، ولا يمكن فصله أبدا عن اتفاقية لوزان ثم عن سيناريو المنطقة برمتها، وكان يستحق من الكاتب تسليط الضوء.
التنازلات التي قدمتها إيران لم تكن لتسخو إلى هذا الحد لولا الصفعة الساخنة التي فاجأتها السعودية بها في اليمن، والوعد العربي المبشر بثقل جديد في المنطقة، بالإضافة -طبعا- إلى مشاكل إيران الداخلية واضطرارها لقمع ثورة باتت على الأبواب ورغبتها، ربما، بإصلاح علاقاتها مع الجوار كما أسلفت في المقالة.
ولا ننسى أهمية التحالف في استعادة التوازن لصالح الإسلام المعتدل عبر ملء الفراغ الذي ولده تطرف الأنظمة ضد شعوبها، وخلق الجبهة المسلمة البديلة القادرة على سحب الذرائع من التنظيمات الجهادية المتطرفة، التي تجند الشبان مستغلة شعورهم بالظلم والعجز إزاء أشقائهم المذبوحين في سورية والعراق وفلسطين.
ربما على إيران أن تسارع بالتخلي عن دعم بشار أولا، وأن تترك لبنان واليمن، كي نقتنع فعلا أن نواياها في إصلاح خطاياها بحق أمتنا حقيقية، حينها فقط، وربما، سنتمنى لها أحلاما وردية بعد نومها الطويل على سرير ملطخ بدمائنا الطازجة.