نحن في أمس الحاجة الآن إلى تقوية النسيج المجتمعي في الداخل، وذلك بإصدار قانون للوحدة الوطنية يتضمن تشريعات محلية تجرّم أي قول أو فعل يتعلق بوباء الطائفية
أكدت المملكة في أكثر من موضع أن عاصفة الحزم بعيدة عن التصنيف المذهبي بين أطياف الشعب اليمني، وأنها قامت بهذه العمليات العسكرية لحماية الشعب ومقدراته من دون تمييز.
مربط الفرس بالنسبة لنا كسعوديين في الداخل هو أن بعضنا يحاول أدلجة الحرب، من خلال إضفاء بعض النغمات الطائفية ضد أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى، فبدلا من التأكيد على أهمية وقوفنا صفا واحدا في هذه الظروف الراهنة والحساسة، شهدنا بعضا من المقالات والخطب الدعوية والتغريدات التويترية، فيها جرعات مضاعفة من النكهات الطائفية، فرائحتها المتطايرة تفوح بشكل فاقع، من خلال زج الحرب وتقويضها في التمايز المذهبي، ليقرروا بذلك أهدافا جديدة لم تقررها القيادة، هذا التوظيف الذي يسيء في واقعه إلى سمعة الوطن.
وهنا تكمن المشكلة الرئيسة، وهي قول طالما كتبنا فيه، وحذرنا من عواقبه الوخيمة، إن هناك من يسعى في كل شاردة وواردة في اقتناص الفرص وانتهازها لإقحام الجانب الفئوي والطائفي.
إنني أتساءل: كيف يمكن لنا أن نحكم على الأحوال من حولنا وعلى مواقف الآخرين ونحن مغمورون في هذه الخنادق الطائفية؟ أليس حريا بنا أن نلوم أنفسنا أولا؟
إن استجلاب العامل المذهبي والطائفي لدغدغة المشاعر يمنح لخصومنا السياسيين فرصة لتحقيق أهدافهم على قالب من ذهب، خاصة أن استعمال هذه اللغة يعد مخالفة صريحة لكثير من أنظمة الدولة ومنها ما يلي:
أولا: نصوص النظام الأساسي للحكم، وذلك ما نصت عليه المادة الـ26 التي تؤكد التزام الدولة بحماية حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية، والمادة الـ8 التي تؤكد على مبدأ العدل والمساواة بين المواطنين، والمادة الـ12 التي تنص على أن تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي إلى الفرقة والفتنة والانقسام.
ثانيا: الاتفاقات الدولية والإقليمية التي انضمت إليها المملكة، وجميع هذه الاتفاقات تجرم وتكافح في موادها جميع أشكال التمييز الطائفي.
ثالثا: ما تم إقراره في مؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائية في مدينة مكة المكرمة، في شهر ديسمبر من عام 2005، ما يلي: إن كل من يتبع أحد المذاهب الأربعة من أهل السنة والجماعة الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي، والمذهبين الشيعيين الجعفري والزيدي، والمذهب الأباضي، والمذهب الظاهري، فهو مسلم، ولا يجوز تكفيره، ويحرم دمه وعرضه وماله، وأيضا لا يجوز تكفير أصحاب العقيدة الأشعرية، ومن يمارس التصوف الحقيقي، وكذلك لا يجوز تكفير أصحاب الفكر السلفي الصحيح.
رابعا: كلمة الملك سلمان بتاريخ 10 مارس 2015: نؤكد حرصنا على التصدي لأسباب الاختلاف ودواعي الفرقة، والقضاء على كل ما من شأنه تصنيف المجتمع بما يضر بالوحدة الوطنية، فأبناء الوطن متساوون في الحقوق والواجبات.
يبقى السؤال المُلحّ: ما الحل للحد من انتشار هذه الجرثومة الطائفية؟ نحن في هذا الوقت بالذات في أمس الحاجة إلى تقوية النسيج المجتمعي في الداخل، وذلك بإصدار قانون للوحدة الوطنية يتضمن تشريعات محلية تجرّم أي قول أو فعل مباشر أو غير مباشر يتعلق بوباء الطائفية.
أخيرا أقول: التصدي لهذا الشحن الطائفي ووقفه الآن لا الانتظار إلى الغد، مسؤولية وطنية بامتياز تقع علينا جميعا، وأولنا مجلس الشورى السعودي.
فلنخرس أصوات الفتنة.