مراكز التوحد وورش العمل والجمعيات التي تعنى بالتوعية وتدريب الأسر على كيفية التعامل مع أبنائهم المتوحدين تتكاثر، ولكن تبقى مسألة التكاليف الباهظة في التشخيص والتدريب
خصص اليوم الثاني من شهر أبريل من كل عام كيوم للتوحد من أجل نشر التوعية ورفع مستوى الوعي عن هذا الاضطراب السلوكي الانفعالي، من خلال أنشطة متعددة لتعريف المجتمع المحلي والعالمي بآخر ما توصل إليه العلم الحديث في هذا المجال.
إنه يوم لنشر أصواتهم في جميع أنحاء المعمورة، فنحن كأفراد وكمجتمعات نجهلهم ونجهل التعامل معهم، نرى الاختلاف ولا ندرك معناه، خاصة من لا يوجد أحد في عائلته يعاني هذا الاضطراب. التوحد أطياف من الخفيف إلى الحاد، ذاك المنفصل تماما عن عالم الواقع ولا يمكن التواصل معه، ولكن بما أنه يوجد بينهم من يمكن أن ينمو ويتطور من خلال التفاعل الصحيح والدمج في مدارس التعليم العام والخاص، ارتأيت أن أكتب اليوم عن هذه الشريحة كمشاركة في حملة التوعية، وذلك من خلال التحدث إليكم بصوت إحدى الزهرات التي استطاعت أن تعبر بمساعدة أسرة وقفت إلى جانبها، وكل ما تريده هو أن نصغِ كي نفهم، وبالتالي نستطيع أن نتفاعل بإيجابية مع الحالات المشابهة، لا تريد شفقة ولا تريد منا أن نغير من حياتنا لأجلهم.. تريد الاحترام والاعتراف بأنهم بشر مثلنا قد يكون هنالك اختلاف، لكن بالرغم من هذا الاختلاف ما زالوا قادرين على العطاء وعلى النمو.
السلام عليكم، أبدأ بالسلام فهكذا تعلمت من والديّ، هل أعرف ما هو السلام؟ ليس بعد ولكني كل يوم أتعلم. اسمي جميلة، وكل من يقابلني يقول إنني اسم على مسمى، وهذه أيضا لا أعرف معناها فدمعة وابتسامة على وجه أمي، كلما ذكرت هذه الجملة تدخلني دائما في حيرة من المعنى. نعم، أنا أعيش في عالم مشوش، ما هو طبيعي لكم يرعبني أحيانا مثل الإضاءة، الألوان، الضجيج، والأصوات خاصة العالية. كيف أشرح لكم؟ حين أنظر حولي أرى ألوانا وأشكالا لا ترونها، والأصوات بعضها يبدو طبيعيا لي وآخر يؤلمني وأحيانا أشعر بأن رأسي يكاد ينفجر، لهذا أفضل أن أنزوي لأكون بعيدة عن كل هذا التشويش، إنه عالمي الذي أعيش بداخله... عالم التوحد.
ولكن الأمر ليس سيئا لهذه الدرجة، فنحن نتغير ولكن ببطء إلى أن ندخل عالمكم، قد نُبقي على السلوكيات الغريبة والكثير منها طفولي أو غريب، ولكن متى ما وجدنا الطريق ننمو، وما نتعلمه لا ننساه، خاصة إذا تم عن طريق المشاهدة والخبرة المباشرة، نحلم مثلكم ولكن لا نمتلك الخيال، نتواصل من أجل البقاء ولا نتواصل من أجل تبادل المشاعر، نراكم من غير أن ننظر في أعينكم، فذلك يشكل لنا ارتباكا وإن أجبرنا إزعاج، والشيء الجميل أننا حين نهتم في مادة معينة أو مجال علمي معين نبدع فيه، أعلم ذلك من خلال مشاهدة أحد الأفلام الوثائقية عن علماء وفنانين وحتى في مجال السياسة، كانوا يعانون من نفس حالتي، هنا وجدت الأمل وقررت أن أستمر في التعلم والتدرب على ما أسمته والدتي المهارات خاصة التواصل، وهذا حدث مباشرة بعد أن تم شرح حالتي لي من قبل والديّ، كان صعب عليّ أن أتقبل الأمر ولكن مع الأيام بدأت الصورة تتضح أمامي، فأنا لست مثلكم ولكني أيضا لست مثل الحالات الصعبة من التوحد، أنا في المنتصف لديّ بعض من هذا العالم وبعض من ذاك، كل ما أريده هو أن أكون طبيعية، كلا لا أعني أن أكون مثل أحد، أريد طبيعتي وأنا مرتاحة معها، وقد تعرفت عليها واعتدت عليها، لم أعد أخافكم فأرجوكم لا تخافوني، إن اقتربتم مني بالتأكيد ستجدون أن اختلافي لا يُرهب ولا يُرعب، كما تتفهمون اختلاف الكثير من حولكم حاولوا أن تفهموني فكل ما أريده هو أن أتعلم وأن أعيش... حقي ولن أتنازل عنه. أهمية الأمر تتضح من خلال ما جاء في تقرير نشر في صحفية الرياض أن إحدى الدراسات أشارت إلى أنه وصل عدد المصابين باضطراب طيف التوحد في المملكة - وفق آخر الدراسات - إلى قرابة الـ(400) ألف حالة أو أكثر، والعدد في ازدياد، وأضاف التقرير أن الكثير من الحالات لا تشخص وقد تعتبر تأخرا في النمو العقلي أو النطق، ولا يتم التفاعل الإيجابي في مساعدتهم على تحسين أوضاعهم حتى لا يصبحوا عالة على أسرهم والمجتمع. المهم هنا أن نعرف أن مراكز التوحد وورش العمل والجمعيات التي تعنى بالتوعية وتدريب الأسر على كيفية التعامل مع أبنائهم في هذه الحالات تتكاثر داخل وخارج البلاد، ولكن تبقى مسألة التكاليف الباهظة في التشخيص والتدريب والمتابعة، والتي بدورها تضغط على ميزانية تلك الأسر، فالمؤسسات التي تقدم المساعدات المجانية قليلة نسبة إلى الأعداد التي تحتاج هذه النوعية من الخدمات، هذا من جهة ومن جهة أخرى وما نحتاجه أيضا توعية الأسر على كيفية تربية أبنائهم على التعامل مع هذه الشريحة من المجتمع سواء في التجمعات الأسرية أو الأماكن العامة أو المدرسة، لأننا نعلم أبناءنا احترام الكبير والصدق والأمانة، نشجعهم على الصداقات والتواصل، ولكن لسبب ما يفوتنا أن نعلمهم كيف يتعاملون مع ذوي الاحتياجات الخاصة، بل إن البعض يستمع إلى أسئلتهم ولا يجيبهم سوى بـ: يا لطيف معاق، أحمد ربك أنك مش زيه! قليل من يأخذ الوقت ليشرح ويبين لهم أهمية التعامل معهم برفق ومحبة دون تعالٍ أو استهزاء، نسينا أن الدين معاملة ليس فقط أداء العبادات! يا سادة من هنا يبدأ تعليم أبنائنا التكافل الاجتماعي والتعاطف والبناء، فإن بدأنا من الأسرة لن تجد المدرسة صعوبة في الدمج وسيخفف الضغط على هؤلاء الأطفال وأسرهم، فنحن - ولله الحمد - ننتمي لدين الإنسانية والرحمة، نحن أولى بأن نكون القدوة، قولا وفعلا.