يلفت نظرك خلال المؤتمرات الصحفية أو الفعاليات الرسمية والاجتماعية من تلك التي تعنى بوجود الصحفيين والقنوات التلفزيونية، ذلك المتحدث اللبق الذي يثبت لك أنه مسيطر على كل أجواء الأسئلة والحوار، ويدرك أبعادها ولديه القدرة على إيجاد إجابات للصعبة منها، وحتى الماكرة.
وبالتفاعل الإيجابي والحبور تلقّى الإعلام والمجتمع ما يطرحه المستشار والمتحدث الرسمي لعمليات عاصفة الحزم العميد أحمد عسيري، ذلك الرجل العسكري الذي أظهر لنا  أنه قوي المفردة، طلق اللسان، واضح، ويصل إلى ما يريده بأقل الكلمات، فضلا عن أن الرجل لبق جدا، بحيث لا يرفض أي سؤال حتى لو كان ماكرا أو صعب الإجابة، أو حتى سؤالا غريبا ليس له أي إجابة أو علاقة بالأمر، وما لفت النظر أكثر حضوره الذهني، وتفضيله أن يجيب عن السائلين باللغة الإنجليزية بلغتهم ليضمن أن المعلومة ستصلهم كاملة.
الحقيقة أن ما كتبته أعلاه ليس الموضوع المهم الذي سأخوض فيه، لكنه ينتمي إليه، ولعله الشرارة التي أطلقته، فبين المؤتمرات الصحفية التي ضجت بها القمة العربية في شرم الشيخ، وما تحفل به الرياض من انعقاد يومي لمؤتمر صحفي للمتحدث الرسمي لعاصفة الحزم، كان الحضور كبيرا والأسئلة كثيرة، لكن ما لفت النظر أكثر أن هناك أسئلة غريبة تحضر بين الحين والآخر تجعلنا أكثر حيرة، لأن معظم  أصحابها ممن ينتمون لإعلامنا لتؤكد أن مطلقيها ليسوا بالكفاءة المطلوبة لطرح الأسئلة واستنباطها، والأخيرة هي المهمة خلال المؤتمرات لأنها ذات مقدمة وتفسير لحدث ما وتنطلق الأسئلة من خلالها. 
ولن أحدد أسماء أو أذكر بمواقف، لكن  لباقة المعني بالمؤتمر تأتي كثيرا لتنقذ السائل غير المدرك لماهية السؤال المطلوب، وأشير هنا من واقع خبرة نحو ثلاثة عقود في العمل الإعلامي أن اختيار الصحفي المناسب القادر على فهم وسبر أغوار العمل المعني به مهم جدا، وأعتقد أن المؤتمرات الصحفية كما هي في شرم الشيخ وما يخص عاصفة الحزم  تحتاج إلى الخبير الفطن المتمكن، وليس المبتدئ غير المتخصص ممن لا يعنيه إن كان أحد سبقه في إلقاء السؤال، أو تم تفسيره عبر المقدمة التي يلقيها صاحب المؤتمر، وللأسف بعض صحفنا وقنواتنا تعتمد على المراسل، ولا يعنيها ما يملك من ثقافة وقدرة، أما كيف يكون سائلا متمكنا قادرا على استخلاص المعلومات والبحث عنها، فتلك مسألة أخرى.
نقول وُجدت المؤتمرات الصحفية كي تقتصر على النخبة من السائلين، وكي ينفك المسؤول من الأسئلة غير المفهومة، وهكذا فعلت البرامج التلفزيونية عبر حواراتها باختيار من هم قادرون على استخلاص الأجوبة عبر الأسئلة المناسبة والذكية.
ومع الرقي في التثقيف والتعليم والتدريب للمعنيين بطرح الأسئلة، إلا أننا لا ننفك من الوقوف على أسئلة غريبة أو غبية أو مكررة  تثير الضحك وفي أحايين أخرى الاشمئزاز. ولعل إعلامنا وبعض مؤتمراتنا يشهدان على كثير من ذلك، وتعرفنا على كثير منها حتى بتنا نرفع عقيرتنا بالشكوى من أننا ما زلنا لا ندرب مراسلينا الإعلاميين كيف يكونون قادرين على طرح الأسئلة المطلوبة.
المهم في القول، إننا ما زلنا نقلب الهرم الإعلامي رأسا على عقب، فلدينا من هم في المكاتب هم الأكثر مهنية وخبرة، والمراسلون جلهم من المبتدئين الناقلين للتعليمات، وهذا على عكس ما نشاهده في الأحداث والمؤتمرات لدى الغرب، فالصحفيون الأكثر مهنية وتمكّنا هم من يحضر الحدث ويحاور ويسأل.