وقبل أن أموت أسأل الله أن يبقيني حتى أشهد ذلك اليوم الذي نؤمن فيه بالتخصصية، وأن نمارسها كما يجب، فما يحصل اليوم هو شيء يشبه الفوضى تماما.
خذ مثلا الرجل الظاهر أمامي في الشاشة الآن الذي يحلل الأوضاع السياسية الراهنة باحتقان شديد وتخبط أشد. هو يمتلك شهادة دبلوم في برمجيات الحاسوب! أما من يحلل ويحرم في المسائل الفقهية في مواقع التواصل الاجتماعي ويصر على صحة فتاواه فهو لاعب كرة قدم سابق! وحتى ذلك الذي تظنه طبيبا حاذقا من وصفاته العلاجية التي يدلي بها فيما تيسر له من وسائل إعلامية ومجالس اجتماعية، ستكتشف بعد قليل من التمحيص أنه يمتلك شهادة الكفاءة المتوسطة!
مثل هذه النوع البشري ينشط ويتكاثر في كل الظروف المناخية والبيئية، فهو خبير أرصاد وطقس في مواسم الأمطار، ومحلل اقتصادي حين يحمر مؤشر الأسهم، وهو أيضا لن يتورع عن الحديث عن الخطط العسكرية والتدابير الأمنية وكأنه خرج للتو من غرفة القيادة والسيطرة، وليس لديه المانع على الإطلاق أن يفسر لك أضغاث أحلامك حتى قبل أن تقصصها له!
الأكثر إيلاما في كل ما سبق أنه وفضلا عن كمية الأخطاء الكارثية التي ستستمع إليها هناك، إلا أنه هذا النوع البشري هو من يحل ضيفا في الكثير من البرامج ويقدم بصفته خبيرا سابقا وضع بعد هذه العبارة ما شئت من الكلمات!
أيضا فإن مفردة إعلامي ليست كافية لشخص للخوض في المجالات الإعلامية التي لا يجيدها البعض والظهور في جميع شاشات التلفزة والوقوف خلف كل المايكات المتاحة، أما المعترضون على ما سبق فأحيلهم إلى المؤتمرات الصحفية لعملية عاصفة الحزم، وكيف تتوالى الأسئلة السطحية جدا على المتحدث الرسمي للعملية هناك!