استوقفني أحد القراء بقوله يا أخي إنت فاضي شغل، كيف تكتب عن السفر والسياحة ونحن عاطلون عن العمل.. اكتب عنا وعن معاناتنا.. اكتب ما يفيد الناس!
النقاش العابر مع هذه النوعية من البشر غير ذي جدوى.. هناك من اعتاد النحيب والعويل فلا تهدأ نفسهُ ولا تطمئن إلا حينما تظلم الدنيا ويعلو الأنين!
فتجده يطمس كل سطر مبهج، ويطفئ كل لحظة فرح، ويردم كل فسحة أمل.
اعتاد هؤلاء على التباكي.. اعتادوا استدعاء كل مشاهد الانكسار والانحطاط والخيبة من الذاكرة، فإن لم يجدوا فالخيال خصب كي يمدهم بما يشاؤون ويشتهون من مآسٍ!
أحيانا يكتب الكاتب مقالا خفيفا على النفس فيثور هؤلاء لأنهم يريدونه ثقيلا عليها.
أحيانا يكتب الكاتب مقالا ساخرا طريفا فيأتي مؤلما لهم، إذ يريدونه مقالا يقطر حزنا وكآبة!
أحيانا يحاول الكاتب أن يروّح عن القارئ فتجدهم يعيدونه قسرا إلى دائرة الشكوى!
هؤلاء السوداويون يريدون الكاتب متحدثا عن الهم والغم والعطالة والبطالة والفساد والفوضى الإدارية والمرورية والخلل الصحي والتعليمي والاقتصادي وغيرها.. ولا يبتعد عنها سطرا واحدا.. الويل له لو أراد الابتعاد عنها قليلا!
وهؤلاء على كل حال، لو قمت بتوسيع العدسة لوجدتهم منتشرين في كل مكان، ولو انصاع الناس لهم ولرؤيتهم القاتمة للحياة لما ضحكوا ولا لعبوا، ولا غنوا ولا رقصوا، ولا احتفلوا لأن فلسطين مثلا ليست محررة، ولأن العراق محتلة، ولأن آلة الجزار ما تزال تسفك دماء الأشقاء في سورية، ولأن هذا الوطن العربي الكبير ينزف من صنعاء وحتى طرابلس الغرب.. ولا يرضيهم سوى أن يموت الناس كمدا وحزنا على حالهم!