من أراد أن يفهم المنطق، فأفضل نصيحة ممكن أن تقدم له هي ألا يقرأ عن المنطق أبدا، لأن المنطق لا يُمنطَق، وطالما هو لا يُمنطَق فكل تعاريف المنطق ستكون غير منطقية بالضرورة، خذ مثلاً أبسط تلك التعاريف أن المنطق هو طريقة التفكير التي تتحرك ضمن إطارات العقل، الآن إن هززت رأسك بالموافقة على هذا التعريف كما فعل محدثك فأنت توافق ضمنيا على أن للعقل فعلا إطارات تحيط به، وهذه أول إهانة منك للمنطق والعقل على حد سواء.
حسنا، إن لم يكن هنالك تعريف منطقي للمنطق فكيف ستعرف أنك منطقي؟ لا تيأس، تستطيع أن تعرف هل أنت إنسان منطقي أم أرعن بأن تتأمل في طريقة نومك، إن كنت تنام بهدوء وسلاسة فأنت إنسان غير منطقي، لأن بتوع المنطق لا يستطيعون النوم إلا بعد تعاطي الكثير من العقاقير المُهدِئة للأعصاب، وهذا الأمر خاص بالنخبة منهم فقط، بينما أغلبيتهم يتزاحمون الآن أمام راقٍ شرعي متخصص في طرد العفاريت المسؤولة عن اضطرابات النوم بالخيزرانة والبصق.
ستكتشف حينها أن أي محاولة منك لأن تُمنطِق ما يدور حولك ستجعلك تنتهي إلى ما انتهى إليه بتوع المنطق، لأنك إن أردت أن تفهم فلن تستوعب كيف أن لمجتمعك وجهين، وجه لن تعرف ملامحه مهما حاولت، ووجه آخر كل ملامحه التي تعرفها ادعاءات، لهذا تأتي عبارة من تمنطق تزندق كعلاج فعّال وحل جذري، وكأن قائل هذه العبارة أراد التخويف من المنطق لأنه علِم بطريقة ما بأنه لا حل أمام الإنسان إلا أن لا يفهم أي شيء، لأنه وإن فهِم فعلا فلن يتغير شيء.
خذ مثلا كيف أن الأجسام الساقطة تتجه منطقيا لأسفل، ثم تأمل كيف أن من يسقط اجتماعيا سيتجه لأعلى، هنا تأتي عبارة من تمنطق تزندق كعلاج لأن الساقطين سيستمرون في الصعود وإن تعروا أمام المجتمع، فلا تحاول أن تسأل وتتساءل ولكن تسلق مع المتسلقين إن استطعت أو تشعبط في رقبة أحد الساقطين لأعلى وقم بركل المنطق بينما أنت متجها للعُلا مع المتجهين.
ترى مناضلا حقوقيا يحاضر في ندوة ثقافية عن الفساد والمفسدين لدرجة تجعلك تعتقد أنه لو رأى فاسدا في هذه اللحظة سينهال عليه بالعقال، ثم تتفاجأ بالعكس، ترى شيخا يعِظ عن الزهد والتعفف وهو يسكن في قصر مبني على مساحة تكفي لإيواء عشيرتك إلى الجيل السابع، ترى أكاديمياً يتغنى بالأمانة العلمية وهو قد اشترى شهادة الدكتوراه بمبلغ زهيد.
لا تحاول أن تفهم أو تستوعب، عِش في سلام مع نفسك، ولكي تعيش في سلام تنحى عن طريق المنطق، قف بعيدا عنه، لا معه ولا ضده، هناك بجانب أعمدة الإنارة ثم حاول أن تمتزج بها إن استطعت لتعيش في سلام، فإن لم تستطع أن تتطور لعمود إنارة قم بإغلاق باب غرفتك ثم امتزج بالكنبة وأبدأ في متابعة الإعلام، أرسم مربعا في السقف ولا تسأل: لماذا مربع؟ لأن سؤالك حينها يعني فشل الإعلام في إيصال رسالته إليك، وأنه لا يزال فيك بقايا منطق عالقة ولا بد من إزالتها.
تأمل في المربع جيدا، سترى مجموعة من الفلاسفة والمفكرين بدأوا منذ قرون في تعريف المنطق وإلى اليوم لم يتوصلوا إلى جواب لسؤالهم القديم: البيضة جاءت أولا أم الدجاجة؟! وهو السؤال الذي قام جمع من مثقفينا مؤخرا بترجمته إلى: لمن تستمع فيروز في الصباح الباكر؟ تأمل كيف أن طرح مثل هذه الأسئلة لن يؤهل الإنسان لأن يكون منطقيا لكنها ستؤهله تماما لأن يقوم بتأليف مجلدات في المنطق!
تأمل في المربع أكثر، ستجدنا قد أقمنا مهرجاناً للأفلام السينمائية السعودية مؤخرا رغم أن السينما في عرفنا حرام شرعا، هنا ستتساءل منطقيا: أين سيعرض المشاركون أفلامهم في حال أنتج أحدهم فيلما؟ فالسينما حرام شرعا وكل تجمع في الاستراحات المغلقة تجمع مشبوه وأن يتم عرض الفيلم في مكان عام فهذه دعوة صريحة للرذيلة، رغم كل هذا، لدينا مهرجان للأفلام السينمائية على كل حال! لا تسأل، لا تتمنطق حتى لا تتزندق.
الواقع هو مقبرة المنطق، ففي الواقع سيُحدِثك الشيخ عن العلاقات الدولية ويُحدِثك السياسي عن دعوة الجالية الفلبينية، سيتغنى الرجل بممشوقة القوام لكنه لن يسمح لها أبدا بممارسة الرياضة، في الواقع تجد الأجنبي زبونا دائما لدى المستشفيات والمدارس الحكومية التي يديرها سعوديون، وتجد السعوديين زبائن دائمين لدى المستشفيات والمدارس الخاصة التي يديرها أجانب!
قم بمسح أحد أضلاع المربع المرسوم على السقف ليتحول إلى مثلث، ولا تتساءل لماذا مربع ولماذا مثلث، فأنت تعيش في منطقة جغرافية لا يصلها المنطق إلا على لسان داعية يخطب عن شخص كان يمارس المنطق بكثرة وحين مات خرجت منه رائحة كريهة، هذه هي رائحة المنطق!