على عكس ما قاله كافكا يتمنى الإنسان عالما يمكن فيه تمييز الخير والشر بوضوح كامل لأن في أعماقه رغبة فطرية لا فكاك منها في الحكم على الأمور قبل فهمها، جاء الإقبال في معرض الرياض الفائت على كتب فكرية تبحث خصوصا في الجماعات الإسلامية والجهادية التي نشطت وتنوعت واختلفت حتى فيما بينها، كبيرا ولافتا، ويشي بكثير من رغبة الشباب في فهم ما يجري حولهم، إما للوصول إلى مزيد من القناعة بحكمهم الذي سبق أن أطلقوه على هذه التيارات والجماعات وفكرها ومنهجها لو أخذنا بقول كافكا، أو لإعادة النظر في هذا الحكم، ومدى صوابه وصحته.
على عكس ما يشاع، ثمة نهم للمعرفة بين الشباب، حتى وإن بدا هؤلاء منصرفين إلى وسائل التواصل التي تقدم المعلومة الخاطفة، البارقة، وغير الدقيقة أو الموثقة أحيانا، جنبا إلى جنب مع الترفيه والتسلية، وحتى الشائعات، ما يجعل من مسؤولية الكتابة مضاعفة أمام ممتهنيها، وأمام الجهات التي تجيز المنشورات وتسمح بتداولها، بحيث تسبغ على المنتج الكتابي الورقي مسؤولية مضاعفة في تحري الدقة لأنه يخاطب جيلا متعطشا للفهم، وينبغي أن يفهم الأمور على حقيقتها، فلا يتيه خلف الضلالات والمسافات الضبابية.
في الإبداع الأدبي تبدو الآفاق مفتوحة غير مقيدة بقواعد وضوابط صارمة، لكن الأمر يختلف حينما نتحدث عن الملفات والحقائق التاريخية والمنطلقات الفكرية التي يفترض أن ترتهن بطبيعتها إلى التوثيق، والتمسك بتلابيب المصداقية، وتبتعد عن المغالطات والاجتهادات والتشويه.