أنا من فئة تنشد الراحة والهدوء والركون إلى نفس المكان، بعد حياة عملية صحفية امتدت نحو ثلاثة عقود، عرفت الركض والسفر والترحال، وفي الأخيرين ما فاض عن الحاجة وبما جعل من النادر أن أقرأ عن بلد لم أزرها في آسيا وأوروبا، وغيرهما من القارات.
من عرف كثرة الترحال ينشد الاستقرار، لكن ثمة مدنا وليست دولا حينما تستدعيك فإنها تأخذ بتلابيب القلب، حتى لو كنت في حالة إعياء أو ارتباط تجد نفسك جاهدا لتلبية الدعوة.
من هذه المدن الرائعة جدا حائل، تلك الملكة القابعة على عرشها وتتكئ شامخة على جبلي أجا وسلمى. حبها يسري في القلب وما زلت أتساءل عن سبب لذلك: هل هو من عمق الصداقات التي تربطني بأهلها، أم نظير ما تملكه من ألق وتسامح وحب؟ أم لأن جذوري تعود إلى جزء مهم منها موطن الأجداد ومقر الفرسان مدينة قفار العريقة.، وقد لا يكون هذا كافيا لأن رحلة الانتقال إلى الزلفي قد جاوزت القرن لتمتد الزلفي في سريانها مع الدم؟ ومع ذلك أصر متسائلا: لماذا؟!
تأخذ بي التساؤلات لكن ما ألبث أن أكتشف كل الإجابات عن حائل العظيمة، فهي مستودع للتاريخ الجميل ومن عبق أهلها عرفنا الكرم والتسامح والوسطية والأحاسيس الدافئة، ومعنى التواضع والعفة والنبل والانتماء إلى الوطن، فحائل مدينة لا تعرف فيها الوحشة. أنيقة مرتبة تدخل القلب دون استئذان. في كل ركن منها تاريخ وعطر فواح، ويقابل ذلك حضارة وثقافة وتمدن تليق برقي أهلها الفكري.
حينما أكون في حائل أحب أن أتجول بين حواريها القديمة وأزقتها العتيقة، ولا يقطع سكون المتعة التي أجدها إلا نداءات كهولها. تفضل. فنجال والم. وأحذركم من هؤلاء الكهول لأنهم يخدعونكم، لأن ما بعد الفنجال إلا الدم وما لم ترحمه السكاكين. أتعرفون ما ذلك؟ إنه الخروف السمين الذي لا يجد الحائلي غضاضة في أن يقدمه لك بنفس راضية، عنوانها الكرم الأصيل الذي شبوا عليه، وبات من الطقوس التي لا يتخلون عنها أبدا.
أشعر بالحب والهدوء والرضا وأنا أجوب شوارع حائل راجلا، وانتقل بعدها إلى قفار الأصيلة التي عرفت بالعز والأنفة، ولن أستفيض بذكر مفاتنها، لأن التاريخ يعرفها جيدا، ولكن أعود إلى وسط حائل بين برزان وامتدادات المناطق التاريخية فيها، وخلالها أسائل نفسي من جديد: لماذا أشعر بالسعادة؟
والإجابة تحضر من الوجوه المبتسمة دائما في حائل، ومن الجمال الساحر لغروب الشمس وأنت في متنزه مشار، وفي منظر طبيعي لن يغادر ذاكرتك، فضلا عن الامتدادات الكثيرة لهذه المدينة الشامخة، التي تشاهد من خلالها الجبلين العظيمين وكأنهما فارسان قد عُنيا بحراستها والسهر على أمنها.
كل شيء جميل في حائل، لكن حق لنا ونحن ما زلنا في الرياض وعلى بعد ساعات من بلوغ سيدة الجبلين ألا ننسى احتفالها الرياضي الكبير في كل عام.
ذلك الذي ينطلق من الرالي الدولي الذي تعنى به وتقدمه بأفضل صورة، بل وتعمل من أجله كل شيء. كيف لا وهي ستكون معنية بالضيوف خلاله من كل حدب وصوب، وحينما يكون الأمر خاصا بالضيوف، فذلك تخصص حائلي لا يسبقها إليه أحد.