جدة: ياسر باعامر

الناقد الأدبي يرى أن برهان التجربة والملاحظة أفضل من نظيره المستند إلى النصوص

تحولت حلقة نقدية قدمها الروائي، الناقد الأدبي علي الشدوي في نادي جدة الأدبي قبل يومين إلى ما يمكن تشبيهه بمنصة حوار، ولكن من نوع مختلف هذه المرة، ليس فقط من جانب المضمون، بل وحتى في عنوان ورقته من المستفيد من هذا؟ إذ استقى دلالتها من مقال كتبه المفكر الهندي هومي بها بَها بعنوان التأويل النشط.
وشكّل المسار التأويلي مركزية في طرح الشدوي من خلال استناده إلى وجهة نظر هومي بها بَها، فكانت بدايته الأولى من زاوية إذا لم يسأل الإنسان بحرية، فلا يمكن أن يكون هناك مسار ديموقراطي، ويفسر هذا في ضوء العلوم الإنسانية، لأن إرثها الأهم هو مصلحة البشرية، أي أن منافعها مفتوحة لأكبر عدد من الناس من دون إسكات الأقلية، فما الذي يمكن أن تعلمنا إياه العلوم الإنسانية؟ ويجيب: التأويل.
ويضيف من وجهة نظر هذا المفكر أن كل تخصصات العلوم الإنسانية تأخذ المعلومات وتحولها عبر مسار تأويلي إلى معرفة.
ويبدو أن الشدوي أراد طرح إشكالية من خلال الدخول إلى مسألة لها انعكاساتها على بنية الحوارات الاجتماعية الداخلية، فهو يرى أن هناك اهتماما مفرطا بالتفاصيل الدينية، وقال ما حدث يخضع لله الذي يهيمن على التاريخ. الله الذي يجري أحداث التاريخ بقضائه وقدره، وليس للإنسان أن يغير ما يحدث خيرا أو شرا، إنما عليه أن يفهم الحكمة، ولا سبيل إلى أن يتفادى رجال السياسة انهيار الدولة، لأنه مقدر سلفا، ولم ينتج عن الحركة الداخلية للعالم التاريخي، وواجب الإنسان أن يسلم بحكم القضاء والقدر. وانتقل الشدوي في نقاشه بأدبي جدة الذي شهد مداخلات مختلفة، إلى طرحه فلسفة أزمة المجتمعات في تعاملها مع إعمال العقل، وهنا تحديدا أعطى دلالات عدة، منها أن منظور العقل الذي يرى أن أحداث التاريخ هي مسلم بها دون إعماله، لا توجد في الواقع، إنما توجد في النصوص الدينية، لذلك يستنتج رؤيته التي أوضحها بأن المعرفة الحقيقية لا تتأتى بملاحظة الواقع وتحليله وتصنيفه واكتشافه، بل تتأتى من قراءة هذه النصوص، والانشغال بالمعاش زمن ضائع بالنسبة لمعرفتها، وثقافة المجتمع في مجملها يلزم أن تخضع لمبدأ هيبة هذه النصوص، والبرهان على أي شيء يلزم أن يستند إلى الاستشهاد بها.
وفي سياق فلسفته بناء على تركيبته المعرفية السابقة، قال ويترتب على هذا التصور أن هناك علاقة بين حفظ هذه النصوص وطبيعة المعنى، وقد يكون هذا غريبا عند بعض القراء، لكن الحفظ لا ينتج معرفة، ولا يؤدي إلى تغيير في الخبرة، ولا يكوّن المعنى، وهذا ما يجعل المعنى ثابتا وصلبا لا تغير بتغير الأمكنة والأزمنة والأجيال البشرية.
وأضاف الحفظ معرفة خارجة، رغم أن المحفوظ ربما يكون له دور في تحصيل المعرفة الجديدة، لكنه في غالب الأحيان يندمج بشكل تعسفي في البنية المعرفية للشخص من غير أن يتفاعل مع ما يحمله من مضامين يؤمن بها.
مسؤولية
وربما أراد الشدوي خلال الانتقالات المتفرقة في أطروحته، إلى تحميل جهة ما مسؤولية عدم إعمال العقل، ولكن هذه المرة بشكل مباشر، حينما تساءل: من المستفيد من فكرة أن التاريخ إلهي؟!، وأجاب عن سؤاله بأنهم رجال الدين الأصوليون، مرجعا ذلك إلى موقعهم المميز الذي يحظون به مقابل مساندتهم غير المشروطة للقوى السياسية.
وعاد مرة أخرى إلى الصيغة التساؤلية، ولكن في الشق المقابل، قائلا من المستفيد من فكرة أن التاريخ بشري؟. كل الناس، للموقع المميز الذي سيحظون به، وتحسين ظروفهم إن اعتمدوا على جهودهم.
وتساءل: أيهما أفضل للمجتمع السعودي، البشري أم الإلهي؟، وهي الصيغة التي ختم بها ورقته، حينما أجاب بنفسه عن سؤاله، معلنا انحيازه الكامل إلى أن التاريخ بشري بطبيعته، عادا أن ذلك سيؤدي إلى تطوره، وهو ما أشار إليه بـالمنهج الاستقرائي للطبيعة، وقال إن ذلك أفضل من منهج العلماء في الاستنباط من النصوص، وأن البرهان الذي يستند إلى التجربة والملاحظة أفضل من البرهان الذي يستند إلى النصوص.