والحديث ليس عن مصر، ولا عن أهمية مصر، ولا ثقلها السياسي، ولا حب العرب لمصر وأهل مصر. هذا أمر متفق عليه منذ زمن بعيد. والحديث فيه وعنه يندرج تحت توضيح الواضحات، لكنها جاءت في سياق حديث مطوّل بيني وبين شقيق عربي من شمال أفريقيا.
سألني قبل أن نفترق: هل يلفت انتباهك شيء في المصريين؟!
قلت: أظنك تقصد حب المصريين لمصر؟!
قال: لاحظ أنهم يقولونها بفم مملوء بالفخر: مَصْصرر!
واللافت أكثر -حسب حديث الشقيق- أن مصر لم تقدم للمصريين عُشر ما تقدمه بعض الدول لمواطنيها، ومع ذلك ليس ثمة مقارنة بين حب المصريين لمصر، وحب البقية لأوطانهم. مصر هِيّا أمي.. نِيلها هو دمّي!
اتفقت معه.. فالعجيب، والذي يستعصي على التفسير عندي، ويقاوم المنطق، وأستطيع تصنيفه كظاهرة عجيبة هو حب المصريين أنفسهم لمصر!
بلد غالبية سكانه تحت خط الفقر والمرض والبطالة، وما زادهم ذلك إلا حبا لمصر، وعشقا لها، ولترابها وهوائها!
فقراء وأغنياء. شباب وكبار وصغار. مسلمون ويهود وأقباط ولا دينيين وغيرهم. كلهم يعشقون مصر. يكرهون يحقدون يقتلون بعضهم، لكنهم يقفون على حد السكين حينما تكون القضية: مصر!
تجد مصريا يجر عربة برتقال في أحد شوارع القاهرة، أو بائع عرقسوس عضته الحياة بأنيابها الحادة، تسأله هل تحب مصر، فيرد عليك باستغراب شديد: هو فيه حد يا بيه ما بيحبش مصْصرر.. دي مصر، عارف إيه يعني مصْصرر!
كثير من العرب يشتمون أوطانهم، ويأنفون عن ذكرها، بل وينكرون انتماءهم لها.
وجدت، والشيء بالشيء يذكر، هناك عربا في أوروبا ينكرون أنهم عرب، فلم أكن أنتظر منهم حبا لأوطانهم أو اعتزازا بها، لكن المصريين استثناء عجيب في كل زوايا العالم. من الممكن أن يشتم أمامك كل الناس، لكنه يرفض أن يشتم مصر، أو تُشتم مصر أمامه!
وهنا.. البعض يأنفون حتى عن ذكر اسم السعودية، فكيف ننتظر أن يحدثوا متابعيهم وجمهورهم عن حبها؟!