مشاعر من الحنين والولاء والوفاء جذبته للعودة إلى وطنه تاركا خلفه مستقبلا علميا واعدا مليئا بأدوات الجذب المادية والمعنوية. فركب سفينة الأمل وأبحر متوجها إلى بلده حاملا معه آمالا وأحلاما يرجو تحقيقها على أرض وطنه انتماء له وحبا لأهله.
وعندما استقرت سفينته على الشاطئ، سارع في عد عدته للانطلاق، محددا نقطة البداية آملا متفائلا حالما إلى أن يصل إلى نقطة الهدف. فواجهته رياح عاتية وزوابع أرادت اقتلاعه وإقصاءه، وما ذاك إلا لتميزه أخلاقا وعلما. وقف يفكر ويقارن بين النقيضين، بين ما تركه وبين ما هو عليه، فكانت المقارنة لصالح ما ترك، فاختلطت المشاعر لديه، إلا أن مشاعره الوطنية ملكت عليه لبه فترك لها العنان لتبرز فقرر البقاء متوكلا على الله، مسدلا ستارا على الماضي القريب الجميل. ولكن، من أين ينطلق وكيف؟ ويداه خاويتان إلا من ثقته بمولاه وعزيمته ورغبته الصادقة في البناء والعطاء. ليس سهلا أن يشق الإنسان طريقه بنفسه وليس لديه من يشد أزره مع وجود من يثبط عزيمته ويحاول إقصاءه، فما يواجه من أمواج عالية قد تلقي به على الشاطئ الآخر، إلا أنه قرر أن يثبت في زورق التحدي والأمل، وأن يعيد الكرة مرات ومرات، رحالة يبحث عن أناس مثله يبنون معه. فعلماء المسلمين أسسوا وبنوا، غزو العالم بفكرهم ناشرين علومهم في بقاع الأرض شرقه وغربه شماله وجنوبه مع بساطة ما يملكون إلا أن عزائمهم القوية أوصلتهم للإبداع في شتى العلوم والفنون والآداب. فالمنصفون من غير المسلمين يقرون بدور علماء المسلمين في ذلك، وهذا ما قاله أحد علماء الوراثة الأميركيين، عندما سأل أحد تلامذته المسلمين عن سبب تواجده في الولايات المتحدة الأميركية، وكلاهما يعرف السبب طلب العلم، فعندما أجاب التلميذ، عقب الأستاذ على الإجابة قائلا: ألستم أنتم المسلمون من نشر العلوم في أرجاء الدنيا؟ فماذا حل بكم؟!
نعم ماذا حل بنا؟ أين الأحفاد من أجدادهم العلماء؟ الذين افترشوا الأرض وجعلوا سواعدهم مناضد للكتابة، سهروا الليل وقطعوا الأرض سهلها وجبلها، واديها وبحرها، كي ينهلوا من العلم.
فهل تعيد الأجيال القادمة مجد أجدادها؟ من المسؤول عن تراجع الأحفاد وتأخرهم عن ركب أجدادهم؟ ما هي مسؤولية الشباب خاصة العاملين في حقل التعليم بجميع أنواعه، هل يستمرون في تكتيف أيديهم أم سيحاولون التطوير والبناء بادئين بتطوير أنفسهم، مركزين على بناء أجيال من المفكرين والمبدعين في جميع مجالات الحياة.