قلبت الثورات العربية موازين الإعلام، خاصة في مصر. لأن المستجدات السياسية والفكرية وكذلك المخزون والمكبوت والمحتقن من أفكار وثقافات جاء الربيع العربي ليستخرجها، ويظهرها على السطح. إن كان الخير في عطف الشر كما يقول المثل الشعبي عندنا، فإن من حسنات هذا الربيع أن فضح كل موروثاتنا نحن العرب، وعرى ثقافاتنا، وخاصة الأصولية منها، كأدبيات وأفكار جماعات الإسلام السياسي، والتنظيمات الجهادية التكفيرية. أتت هذه الثورات لتعلن اللحظة الحاسمة في مراجعة تراثنا، وإمكانية نقده وإحداث القطيعة مع أخطائه وعثراته، ومن ثم تجاوزها، لأنها أعطت الفرصة لكل متعصب يسعى لتحقيق مكاسب سياسية، وكل هذا على صفحات التويتر والفيسبوك والفضائيات أيضا.
البرامج الحوارية هي الأكثر مشاهدة، فما يهم المواطن البسيط هو محاولة فهم الواقع العربي ومتغيراته السريعة أكثر من الأخبار العاجلة وحوادث القتل والعنف. إنه باختصار يريد أن يعرف ويفهم: لماذا العنف والاقتتال والفوضى والفساد؟
دارت خلال الأعوام الماضية، وحتى الآن، حوارات ومناظرات بين ممثلي التيارات الإسلامية والأخرى العلمانية أو الليبرالية في مصر، لأن كابوس الإخوان والجماعات التكفيرية فرض على النخب المصرية إيضاح الحقيقة بعد أن اختطف لصوص الدين عامة الناس.
إسلام البحيري، باحث إسلامي، وأحد الوجوه الإعلامية التي نذرت نفسها لكشف أخطاء ومثالب هذه التنظيمات، فكريا وسياسيا، عبر مناظرات مع رموز التيارات الأصولية، منها ما يتعلق بالجهاد، وحقوق المرأة، وزواج القاصر، والتسامح الديني.. نجح إسلام حتى الآن في مهمته، لكن المواجهة مع الأفكار الرجعية ورموزها تحتاج وقتا طويلا، وعددا أكبر من النخب المستنيرة.