أنا لا أمزح أبدا إن قلت إنني ظهر الأمس، وفي نزق ونزوة لا تبرير لهما، اصطدت بعلبة ماء نصف فارغة عصفورا مسكينا كان يختال أمامي مباشرة على سلك الكهرباء العمومي ما بين بلكونتي وسور المنزل. وعلى سقف غرفة السائق بركن بيتي يستمتع هذا الطائر بشيء من الوقت قبل أن يقلع من جديد ثم يقفز من جديد ولكن إلى رأس العمود بدلا من الانحناء المائل إلى سلك الكهرباء. بعدها قررت أن يكون هذا المشهد المحزن فكرة كتابية بتحويل هذا العصفور المسكين إلى جوهر مقال أتوب به وأتراجع عن أفكاري السابقة في كتاباتي عن حتمية التغيير، وتغيير المسؤول، ومناشدتي الدائمة بحذف العصافير الكبرى من فوق السلك الكهربائي، وهو هنا، وللمجاز، مكتب سعادة نائب الوزير وسعادة المدير العام. كانت العرب تقول قبل غارتي ونزوتي ونزقي قبل ظهر الأمس إنه بالإمكان صيد عصفورين بحجر، لكنني اكتشفت أنها مسألة رياضية تستحيل تماما على قانون الفيزياء، وهنا أتحدى كل تاريخ هذا المثل الشهير أن يسقط عصفورين برمية حجر.
منظر سعادة المدير العام العصفور وهو يسقط من فوق السلك يجبرني على الاعتذار من كل ما يلي: أن أعتذر أولا من معالي وزير البلديات حين طالبته مباشرة وجها لوجه باصطياد 70 رئيس بلدية في قرار جماعي واحد يحيل هؤلاء إلى الإرشيف، وحين قلت له قبل أسبوعين بشكل صريح إن اجتماع رؤساء البلديات وأمناء المناطق هو اجتماع مجلس الأجداد لأن معاليه، بحكم السن في منزلة حفيد مع بعضهم على ذات الطاولة.
هذا الكلام ينطبق حرفيا على معالي وزير العدل الشاب إن جلس على ذات الطاولة. أن أعتذر ثانيا من وزير الشؤون الاجتماعية إذا ما حاول اصطياد 20 عصفورا من مديري الشؤون الاجتماعية ومعهم 60 مديرا لمكاتب الضمان الاجتماعي. أن أعتذر ثالثا من معالي وزير الثقافة، الصديق الشاب، وهو بالمناسبة أصغر سنا من أي رئيس ناد أدبي في كل هذه المملكة. أن أعتذر رابعا من كل أصحاب المعالي نواب ووكلاء الوزارات ومديري العموم على طرحي القديم برغبة التغيير والإحلال والتبديل، لأن قصتي مع هذا الطائر المسكين الذي رميته بقرار علبة ماء نصف فارغة قد أعادني إلى رشدي وهدايتي مثلما أعاده إلى رأس عمود الكهرباء في مشهد لافت. ولأصحاب المعالي جميعا سأقول اليوم: اتركوا هذه العصافير من مديري العموم على السلك حتى ولو كانوا مجلس أجداد تحت حكم نظام الخدمة المدنية. لا تكرروا تجربتي مع العصفور، ولا تعودوا للعنوان بعاليه: الإدارة الحكومية ومجلس الأجداد.