كهلان ناجي الغادر

في خضم وضع العالم العربي الذي لم يثن عزائم الكثير من المكلومين رغم المستويات القاهرة من التفنن في التعذيب، إلا أن الوضع اليمني كان خارجا جدا عن بقية البلاد العربية. عجز خلاله أباطرة السياسة عن تحليله وتقطعت سبل فطاحلة التحليل في استشراف آفاقه المستقبلية.
رغم الوضع الإنساني الذي يعاني منه اليمنيون من بؤس الواقع المتدني إلا أن الكثير ما زالوا ينافحون ضد السياسة الحوثية المستسقاة فكريا وسياسيا ودينيا من الشرق.
أقبل الحوثي عند بداية أيامه في تراجيديا تسليم صنعاء بلغة مستعارة لأيام فقط وجذبت الكثير آنذاك، ولأنها ملقنة لأيام فقد خُلعت تلك اللغة المتكلفة، لبسوا من ثالث أيامهم لغتهم وسياستهم الحقة، فبدأ المقبلون عليهم بالنفور منهم، وبدأ الكثير ممن كانت لهم أهداف بالنأي عنهم.
بدت صنعاء بعد تسليمها في سبتمبر المنصرم كأنها ترتدي لباسا بالية مقطعة. حزينة الأرض والإنسان، كأنها طفلة فقدت أباها فارتدت لباس العزاء، وصنعاء لم ترتد لباس العزاء فحسب، بل لباسا أكثر مهانة ومذلة، لقد كانت خاوية على عروشها حقا.
وما هي إلا أيام حتى بدأ الحوثيون يفككون المجتمعات المستهدفة مسبقا قبل الإجهاز عليها عن طريق شراء المنبوذين من المناطق ذاتها، وكل عاكس لسير أهدافهم، فيكفي أن يقال عنه داعشي.
إن أقرب وصف للحوثيين هو تطابقهم الكامل مع وصف الفيلسوف الإسباني خوسيه أورتيجا جاسيت حين كتب عن الفاشية في 1927 قائلا: للفاشية ملامح غامضة لأنها تحوي أكثر المضامين تضادا، فهي تؤكد على السلطوية وتؤسس للثورة وتحارب الديموقراطية المعاصرة، من ناحية أخرى لا تؤمن بالعودة لأي حكم سابق...
ويقول في نهاية الوصف وأيا كانت طريقة تناولنا الفاشية، فسنجد أنها تمثل الشيء ونقيضه في الوقت نفسه لقد قضوا على الفساد المؤسس من 33 عاما في نظرهم، لكنهم زرعوا تنمية مستدامة من الفساد للأجيال القادمة في ثورتهم المنسقة.
إن الاستراتيجية التي يعتمد عليها الحوثيون ليست السيطرة على اليمن، لكنها بشكل أساس استعادة الخليج الفارسي حسب تسميتهم الزائفة، وهذا ما صرح به كثير من قياداتهم أخيرا. فهي جماعة ليست سياسية أو تحمل مشروعا بل ميليشيات ذات أذرع خارجية تستوحي أفكارا خمينية ذات أيدلوجية طائفية بامتياز.
استطاع الحوثيون أن يعتمدوا على الاستمالات العاطفية التي جذبت العامة بشكل لافت في بادئ الأمر، لذا فهم يستخدمون شعارات أخرى منمقة ومختارة بعناية للتأثير في المتلقي تحت لوائهم أولا، كما يستخدمونها في التمهيد لحملاتهم الدعائية في المجتمعات المستهدفة ثانيا، وكمثال فهم أصحاب المسيرة القرآنية باعتقاد أتباعهم، غير أن دور القرآن كانت الهدف الرئيس في القرى والمناطق التي سيطروا عليها.
ما يريده الحوثي هو أن يصبح قائد الثورة ويقود البلاد مقتديا بالثورة الخمينية في إيران، فهو بحكم المنصب الذي لم نسمع به، هو ما يمكنه من أن يكون وصيا للكون، ورب التشريعات الموجودة هنا أو هناك.
والملاحظ في خطابات الحوثي - المتناقضة حد الثمالة - يجد أنه يمارس سياسة ديماجوجية مشبعة بالخداع، استطاع بها أن يلتهم العامة من دماج وصولا إلى منزل هادي نفسه.
إن شوفونية أفعالهم وفاشية سلطتهم هما اللتان ستجعلان اليمن في انحدار السلم الحضاري وتدهور الوضع الاقتصادي، وهذا ما لا يبشر بخير في قادم الأيام، لأن الحكم الحوثي يعتقد بأن السيد هو القائد والمقاتل والمشرع والحاكم والمفتي والقاضي والسياسي
والاقتصادي، وهو ما سيفجر ثورة أخرى تلتهم الجميع، أو قد يمثل مرحلة انحطاط تاريخي في العصر الحديث.