أذكر أنه قبل نحو خمسة عشر عاما قررت مع بعض الأصدقاء قضاء إجازة نهاية الأسبوع على ضفاف عروس البحر الأحمر، والتمتع بما تكنزه من تجارب سياحية متنوعة، تبدأ بالمطاعم التي تزخر بها فنادقها وأحياؤها، مرورا بالشاليهات البحرية في أبحر وما جاورها، وانتهاء برحلة صيد بحرية تمكننا فيها من التمتع بلذيذ البحر من ذلك الخير الذي شبكته سنانيرنا نحن الشباب الآتون من ربوع الرياض الصحراوية.
أكثر ما أذكره من تلك الأيام الثلاثة ليست التجربة في حد ذاتها بقدر الصدمة التي كانت على محيا زملائي، عندما أتى دور تقاسم التكاليف المالية التي تجاوزت نحو ضعفين ونصف مما كان يمكن لنا أن نصرفه لو كنا قررنا أن نقضي التجربة ذاتها في شرم الشيخ أو دبي، وهي التجربة التي قمت بها بالفعل بعد بضعة أعوام، وبقيت تفاصيلها ومغامراتها راسخة في الذهن حتى يومنا هذا.
يبدو لي أن الوضع اليوم لم يتغير كثيرا، فعلى الرغم من المجهودات الكبيرة التي تقوم بها هيئة السياحة والآثار والجهات الأخرى المعنية بتنظيم قطاع الفنادق والمساكن السياحية والمطاعم لضبط العمل والرقابة الميدانية، إلا أن نزعة واضحة من الاستغلال والجشع ما زالت طاغية على طبيعة التعاملات والخدمات المقدمة من خلال المبالغة في الأسعار ورفعها وتخفيضها وفق مزاج موظف الاستقبال الذي غالبا ما يكون من غير السعوديين.
أكبر ميدان لهذا الاستغلال يكمن في ضبابية تحديد الأسعار في أيام ما يعرف بفترة الإجازات الموسمية، إذ لاحظت ذلك بعد جولة مطولة عن شقق مفروشة في مدينة جدة في ظل شح أعداد الفنادق المناسبة، فكانت الأسعار -بصرف النظر عن التصنيف والخدمات- تتفاوت وفق ما يقدره الموظف لا وفق أسعار وتواريخ واضحة ومحددة تضمن عدم اختلاف الطرفين وعدم اضطرار أن يجد العميل نفسه مطالبا بإخلاء الشقة.
الفرق بين ما نشاهده في بعض ممارسات القطاعات العاملة في مجال السياحة في المملكة ومثيلاتها في دول الجوار، هو أن التنظيم المعني بعلاقة المؤسسة الموفرة للخدمة والعميل المستفيد منها واضحة ومحددة، كما أن الاستثناءات تبقى استثناءات فلا تتحول إلى القاعدة التي يبنى عليها كل شيء نتيجة هلامية القوانين أو سطحية الرقابة والمتابعة.
تبقى السياحة أحد المجالات التي تشهد استغلالا -أو لنقل سوء ممارسة- من البعض، أما الصناعات والخدمات الأخرى المقدمة للنساء مثلا أو الأطفال فحديث آخر ربما نتحدث عنه مستقبلا.