لعدة أشهر مضت كانت جامعة دار الحكمة في جدة، تعمل على مشروعٍ يخص قرى عسير. الدكتورة آنا كلينغمان – رئيسة قسم العمارة بالجامعة – أطلقت الفكرة، واشتغلت عليها مع فريق عملها؛ إحياء البيت القروي العسيري ونمطه المعماري القديم، باستخدام التقنيات والتكنولوجيا الحديثة. اختارت قرية العكاس لتكون مكانا للبدء، ثم الانطلاق منه لبقية القرى في المنطقة، وكان الافتتاح الأسبوع الماضي، الأربعاء 18 فبراير، وشهدت القرية ثلاثة أيام من الفعاليات البديعة، وسط حضور كبير، شارك فيها فنانون وكُتاب ومهتمون بالتاريخ والتراث، سواء من أنحاء العالم أو من أبناء المنطقة. على المدى البعيد يهدف المشروع إلى إحياء البيوت المهجورة وترميمها، وتحويلها إلى موتيلات سياحية صغيرة، كما سيحقق المشروع فرص عمل ودورات تدريب لبنات المنطقة أنفسهن، فيما يخص الفنون والأعمال اليدوية التي تحفل بها هذه القرى والبيوت. أرجو أن يتحقق هذا، لا سيما وهيئة السياحة والآثار راع وداعم لمثل هذه المبادرة المهمة.
الترحيب الكبير الذي لقيته الجامعة ومنسوبوها والمشاركون وفي كل الفعاليات، من أبناء المنطقة بعموم، ومن أهل قرية العكاس على وجه خاص كان رائعا، ولا غرابة، فطالما كانت هذه القرى قابلة ورحبة ومليئة بالفرح والترحيب بكل ضيف.
التنغيص الذي حدث ويحدث دوما ليس من أبناء المكان الأسوياء، إنه يأتي دوما ممن يريدون تعطيل أي عمل تنموي أو مشروع يخرج عن عباءتهم ووصايتهم المنغلقة والمتطرفة، مما اضطر الجامعة في اليوم الثاني من الفعاليات إلى إبقاء طالباتها في الفندق، فلم يتمكنّ من الحضور، وكان هذا مؤسفا، ومع ذلك فقد كان الحضور كبيرا، وكان المنظمون ملتزمين بالأنظمة المعمول بها في إقامة مثل هذه الفعاليات.. لكن! لكن حتى متى ومثل هؤلاء يحاولون إجهاض أية فرصة للعمل والتقدم دون رادع ولا حضور لبعض الجهات. إيقاف الأنشطة والفعاليات أو إعاقتها، هذا الذي يرافق أخبارنا وصحفنا دوما، والفاعل نفسه، يجب أن يُتعامل معه بجدية أكبر، فمثل هذه الأيام القليلة في أية مدينة هي أحد الأشكال المحدودة من فسحة الناس أصلا. ما الذي لدى الناس سوى الذهاب للأسواق أو افتراش الأرصفة والخلاء والشواطئ؟! وإذا أقيمت فعالية هنا أو هناك، وتحت مظلة رسمية، يأتي هؤلاء أنفسهم كل مرة، ليفسدوها! ثم يتساءل البعض لماذا ينفر عشرات وعشرات الآلاف من السعوديين إلى بلدان أخرى في كل إجازة!
لا بدّ من شكر جامعة دار الحكمة على هذا العمل الثمين، وعلى جهدها الرائع الذي ظهر جليا في تنظيم الفعاليات وتنوعها وتعدد ضيوفها، على أمل أن يستمر المشروع ويحقق أهدافه.