حذر أحد مفكرينا وهو الأستاذ عزيز ضياء قبل خمسين عاما، من عدم تطبيق نظام السعودة في بلادنا، والغريب حقا أننا ما زلنا حتى اليوم ندور في نفس 'الطاحونة'!

كتب الأستاذ عزيز ضياء (الإعلامي والكاتب والأديب والقانوني) في العدد الأول من صحيفة عكاظ في 28 مايو من عام 1960م، كتب يحذر من عدم تطبيق نظام السعودة، نعم السعودة كانت تؤرق الكتّاب والمثقفين في ذلك الزمن أيضا، وأنا التي كنت أعتقد بأنها مفهوم حديث دخل علينا بعد ارتفاع نسبة البطالة! لقد تحدث عن استغرابه من عدم تواجد الشباب السعودي في مجال الخدمات الفندقية حينها، وأدرج مجالات العمل فيها من البواب إلى المدير العام، لن أسرد حواره مع صديقه الذي من خلاله أوضح مكمن العلة، ولكن سأدخل في قلب الموضوع مباشرة، حيث يقول إن: عدم تطبيق النظام هو العلة الأساسية في ظاهرة ازدحام الأعمال والمؤسسات بغير السعوديين.. وهو العلة في انخفاض مستوى الأجور إلى الحد الذي يجعل السعودي يفضل وظيفة الحكومة، أو العمل الحر، على العمل في هذه المؤسسات.. وهو أيضا العلة في كل ما تجره هذه الحالة، على المواطنين وعلى البلاد من مصائب وويلات. كانت هذه رؤية وتحذير أحد مفكرينا قبل خمسين عاما، والغريب حقا أننا ما زلنا حتى اليوم ندور في نفس الطاحون!
لنتوقف قليلا ونحلل الرأي الذي قدمه. أولا تحدث عن الموظف أو العامل من الخارج بأن وصفه بـ غير السعودي، وغير لا تعني أقل أو أفضل، لم يقل أجنبي ولم يقل غريب أو أي صفة تشعر هذا الإنسان الذي جاء يلتقط رزقه عندنا بأنه أقل شأنا، وهذه لها تبعيات سلبية كثيرة علينا وعليهم، على الأقل من خلال التواصل والتعاون الاجتماعي والإنساني، يكفي هذا، ولن أدخل في الموضوع أكثر هنا لأنه ليس موضوعنا اليوم، ثانيا: تحدث عن أسباب انخفاض الأجور وكيفية تلافي ذلك من خلال وضع حد أدنى للأجور للعامل أو الموظف بغض النظر عن جنسيته، أجر يضمن الحياة الكريمة للمتقدم للوظيفة في ظل التغيرات وارتفاع الأسعار، قد يقول البعض إن مشكلة الشاب السعودي أنه لا يقبل بالعمل في مؤسسة أو شركة صغيرة براتب متواضع، نعم يحق له أن يرفض خاصة مع جنون ارتفاع الأسعار الذي يخنقه يوميا، أو حين يجد من هو بمثل مؤهلاته وقدراته يستلم أكثر لمجرد أنه من خارج البلاد، وإن أتى على نفسه وقبل، فكيف نتوقع منه نفس مستوى الإنتاج، وهو يرى التمييز الذي يلقاه زيد وعبيد وجوني وطوني وكومار وبقية معارفهم وعائلاتهم، من سكن وتأمين صحي وتعليم لأولادهم وأحفادهم بالجملة، وتذاكر سفر حتى لـحمواتهم! وإن تذمر أو اعترض، التف حوله الجميع لخنقه باختلاق طلبات تعجيزية كي يستقيل أو يرفض القيام بها، فتؤخذ ضده ويفصل! ثم تُقدم تقارير لصاحب العمل بأن السعودي لا يقوم بعمله، أو رفض القيام بعمله، المهم يشاركون في نشر الصورة السلبية عن الشباب السعودي حتى تخلو لهم الساحة دون منافسة، لحظة، لا أعني الجميع يقوم بذلك ولكنهم كثر، هل أختلق القصص؟ لا أظن، لنراجع الملفات الخاصة بشكاوى الموظفين السعوديين في جمعية حقوق الإنسان ولنر!
السؤال المحوري والعرضي والأفقي أو أي شكل يريحنا كي نفهم لنجيب، لماذا لا نتبع ما تقوم به اليوم أكثر من 90 ? من دول العالم، التي عملت على وضع تشريعات خاصة بالحد الأدنى للأجور مثل أمريكا الشمالية وكندا؟ بل إن كندا لديها نظام صارم في متابعة تطبيق ذلك، لو كان لدينا مثل هذا النظام وهذه الصرامة في التطبيق، لفكّر صاحب العمل وحسبها ماديا ووجد أن ما يكلفه العامل أو الموظف من الخارج من تكاليف تأشيرة دخول وتذاكر سفر وغيرها من التكاليف، عبء زائد عليه، ووجد أنه سيوفر أكثر فيما لو أنه وظف السعودي، طالما أن الراتب هو نفسه، أما من ناحية الأعذار التي يقدمها سوق العمل مثل التأهيل والإعداد وضعف مخرجات التعليم لدينا فأظن أن السوق فيه الكثير ممن درس في الخارج، ومن الداخل من عمل على رفع مستوى قدراته وخبراته من خلال الدورات التدريبية سواء كانت في اللغة أو الحاسب أو التخصص، وإن وجد من لديه الشخصية المستعدة للعمل والمتشوقة للإنتاج، أو القيادية التي تبشر بالتقدم والتطور، ولكنها تفتقر للخبرة والإعداد المطلوب فإنّه يمكن تصحيح ذلك من خلال دورات خاصة بنوعية العمل، تعطى على شكل دوري للموظفين، ونحن نعلم أنه حتى الموظف الكامل الأهلية والاستعداد بحاجة إلى دورات تجدد وتطور من معلوماته وخبراته وتساعده على التعرف على آخر التطورات في مجال تخصصه، ثم إن هذا لا يعد إهدارا بل يعتبر نوعا من الاستثمار الداخلي للمؤسسة أو الشركة، أليس هذا أفضل من التحايل على النظام بتوظيف سعوديين شكلا براتب رمزي دون أن يدخلوا حرم المؤسسة، أو التلاعب من خلال توظيف السعوديين بدوام جزئي من أجل توفير تكاليف التأمينات الاجتماعية والطبية والبدلات، أو غيرها من إبداعاتهم الفذة، التي يتحفوننا بها بين حين وآخر!
لا أحد ينكر أن هنالك من شبابنا من يتقاعس عن البحث عن فرص العمل وينتظر أن تأتي إليه من خلال القرابة أو الواسطة إلى بيته على طبق من فضة! ولكنهم قلة، واليوم ومن خلال التنافس العالمي للشركات والحاجة للإنتاج والتمييز لن يبقى في مكانه طويلا وسيأخذ مكانه من هو أكفأ، بالمقابل هناك الآلاف من الذين نراهم ونسمع عنهم يتجمعون عند باب كل مُعلن عن وظيفة، والصور المؤلمة ليست ببعيدة عن ذاكرتنا أو أوراق الصحف المحلية، نعم ماذا عنهم؟ يقفون تحت الشمس الحارقة في الساحات في سبيل تسليم ملف، فلا يقنعني أحد أن من يقوم بذلك مرة بعد مرة وهو يائس ومحطم داخليا من كثرة الرفض وانسداد أبواب الرزق في وجهه، أن ذلك الشاب غير مسؤول ولن يلتزم بقوانين العمل! وبما أنه لا يوجد لدينا اتحاد عمال أو اتحاد معلمين أو أطباء.. إلخ، يتوجب على وزارة العمل أن تتدخل وتسن قانون تحديد الأجر الأدنى لكل مهنة بغض النظر عن الجنسية، ومتابعة تطبيقه، وبهذا سوف يحسبها صاحب العمل أو الشركات التي ستجد أن توظيف السعودي سوف يوفر الكثير من تكاليف الاستقدام وتبعاته، وعلى المدى الطويل سوف تكون هي الرابحة، تختار وتدرب، ومن خلال عروضها المغرية ستضمن بقاء الموظف بعد تدريبه.