الشعور بالفقد، والرحيل بلا مقدمات، وتساقط الطيبين، لها في النفس وقع الفؤوس على الرؤوس. فلله الأمر من قبل ومن بعد ولا اعتراض على حكمك يا الله.. لكنها حروف تجبر أصابعنا على رثاء من نُحب.. والرثاء هذه المرة لرجل فعل الكثير الكثير مدافعا عن رأيه حاملا قلمه وحبه ووطنيته وإنسانيته بل وحتى وفاءه لزوجته معه في مقالاته مُذ بدأ مشوار الكتابة.
لهذا الرجل قصص عجيبة في قراءة المستقبل وبُعد النظر. فلن ينسى التاريخ يوما أنه كتب مرارا وتكرارا في قضية زرع القمح واستنفاذه مخزون المياه ثم وبعد سنوات طِوال فطن الجميع أنه كان على حق وأنه سبق الجميع في نظرته الثاقبة. ولي مع هذا الرجل مواقف عجيبة، فحتى وهو في مرضه كان يتواجد كلما سنحت له الفرصة على الفيس بوك، وأذكر أني في بداية حياتي راسلته عبر صفحته ليبهرني برده الفوري والترحيب وكأنه يعرفني، وبعد ثوان معدودات تيقنت بأني محظوظ، فبضع الكلمات التي قالها لي ناصحا كانت ككنز دفين استخرجته من مغارة عميقة مليئة بالخبرات والأسرار وبكل أخلاق الكِبار. مات عابد خزندار هناك بعيدا عنا.. ولعل باريس أكثر حظوة منا به في السنوات الأخيرة لا سيما بعد فقده لشمسه وأم بناته زوجته الراحلة (شمس)، التي كتب فيها مقالا يقطرُ حُزناً عليها، وكان في خاتمته يقول: سألحق بكِ.. وها هو قد لحق بها بعد أن أضناه المرض فرحمة الله عليه.
أنبكيك عابد خزندار؟ أم نستلذ باجترار ذكرياتك بين كتاب لك أو تصفح مقال.. نم هانئا في قبرك.. وأهلا بجثمانك في ثرى أم القرى حيث تستلقي للأبد..