اللغة العربية قضية سيادية مرتبطة بأمن الدولة ووحدة المجتمع والمساواة فيه، كما أنها المسؤولة عن إعداد المواطن الصالح وإعادة إنتاج المجتمع وربطه بثوابته ومرجعياته وقيمه، وبها يتم الإبداع والابتكار والتطور والإتقان والتنمية في مفهومها الشامل

تقدم المجلس الدولي للغة العربية بطلب إلى معالي رئيس مجلس الشورى لسن أنظمة تليق بمكانة ودور المملكة التي تتخذ من اللغة العربية رمزا للوطن والمواطن، بحكم أن اللغة العربية من جزيرة العرب، والمملكة وغيرها من دول الجزيرة العربية أكثر الدول مسؤولية تجاه اللغة العربية، وتجاوب معالي رئيس مجلس الشورى مشكورا برد موسع عن جهود المملكة، وقد قمنا بناء على خطابه بالعمل مع جهات قانونية عديدة ومنها اتحاد المحامين العرب على وضع قانون عام للغة العربية واللغات الأخرى، حتى يتم الاسترشاد به في صياغة أنظمة وقوانين وسياسات لغوية حسب كل دولة وكل مؤسسة أو وزارة، بحيث تغطي مواد القانون معظم المجالات التي تتعلق باللغة العربية.
وقد تكرم رئيس اللجنة المسؤولة عن نظام اللغة العربية في مجلس الشورى بدعوتي مع ثلة من المسؤولين والمختصين في المملكة لمناقشة مسودة النظام، وبكل صراحة لم نكن راضين عما قدم لنا في هذا الخصوص ونحن نتكلم عن المملكة العربية السعودية التي عليها مسؤولية حماية الثوابت والمرجعيات وفي مقدمتها لغتنا العربية التي يقوم عليها ديننا وهويتنا.
وقد شارك في المؤتمر الدولي للغة العربية في دوراته السابقة عدد من أعضاء مجلس الشورى مع غيرهم من أعضاء البرلمانات العربية، وكان لمشاركتهم دور إيجابي كبير وسط مئات المشاركين من معظم دول العالم، وقد بادرت بوضع تصور أولي لنظام يليق بوضع المملكة وليكون أساسا للنقاش، تم إرساله لرئيس اللجنة ولبعض الأعضاء في الاجتماع. ولكن مضت فترة طويلة وهذا النظام لم ينجز ولن ينجز لعدة أسباب، أولها أن ربط الأنظمة بالأشخاص غير مقبول في موضوعات الجميع مهموم بها حتى وإن تقدم بها العضو بحكم موقعه ومسؤوليته في مجلس الشورى، ويجب أن تكون القرارات والتنظيمات والتشريعات ليست بأسماء الأفراد لأن هذا يولد بعض الحساسيات وأحيانا عدم الاهتمام من قبل أعضاء المجلس الآخرين بسبب شخصنة الأنظمة والتشريعات التي تصدر عن المجلس.
ومن هنا أقترح على مجلس الشورى مشكورا إعادة النظر في النظام وفي مواده التي أدخلت عليها مواد للمجاملة لا تخدم النظام الذي يجب أن يليق بالمملكة ومكانتها ودورها، وأن يشرك في وضع هذا النظام مرة أخرى المؤسسات الحكومية المعنية بهذا النظام وفي مقدمتها وزارة التعليم والداخلية والخارجية والعدل والتجارة والشؤون الإسلامية والمالية وهيئة الخبراء بمجلس الوزراء، وغيرها من الجهات المعنية بهذا النظام، وأن تعكف هذه اللجنة على هذا النظام حتى يتم الانتهاء منه ليصبح جاهزا للنقاش والتصويت في مجلس الشورى.
هذا النظام يجب أن يكون وسيلة لنشر اللغة العربية ورفع مستوى الاهتمام بها في جميع شؤون حياتنا، ولغتنا لها تاريخ كبير من الإنجازات ولكننا اليوم نسهم جميعا في إضعافها وتهميشها في بيوتنا ومجتمعنا ومؤسساتنا المختلفة بحجج غير مبررة. واللغة العربية قضية سيادية مرتبطة بأمن الدولة ووحدة المجتمع والمساواة فيه، كما أنها المسؤولة عن إعداد المواطن الصالح وإعادة إنتاج المجتمع وربطه بثوابته ومرجعياته وقيمه، وبها يتم الإبداع والابتكار والتطور والإتقان والتنمية في مفهومها الشامل.
نعم اللغة العربية تعاني من مشكلات كثيرة في البيت والمدرسة والجامعة والإعلام وفي سوق العمل، حيث أسهم الاستقدام غير المنظم إلى إرباك المجتمع وإضعاف اللغة العربية حتى أصبح لدينا تلوث لغوي لا يمكن مقارنته بأي تلوث آخر، لأن اللغة مرتبطة بالتفكير وبالعقل والعمل والعبادة وغيرها من شؤون الحياة، وضعف اللغة يؤدي إلى ضعف مستخدميها وعدم قدرتهم على المشاركة الفاعلة والإيجابية في حياتهم وأعمالهم المختلفة.
لقد أسهم سوق العمل في إضعاف اللغة العربية، حيث يروي أحد المسؤولين الإندونيسيين أننا عندما اكتشف النفط في بلاد العرب فتحنا مدارس لتعليم اللغة العربية لنرسل أبناءنا للعمل هناك، وعندما جاء التجار قالوا لا تهمنا اللغة يهمنا فقط من يعمل، وبالتالي تم إغلاق العديد من المعاهد التي فتحت. ولنكن عمليين يجب أن يحتوى النظام في دول الخليج على عدة فقرات قانونية لضبط قضية اللغة، بحيث تبدأ بتأسيس وحدة إدارة للغة العربية في وزارة الداخلية تتابع تنفيذ مواد النظام وتراقبه، حيث تعد اللغة مسألة أمن دولة ووحدة مجتمع، وهي من يراقب ويحول المخالفات إلى القضاء الذي يجب بدوره أن يطبق النظام على المخالفين وفق عقوبات صارمة.
كما يجب أن يحتوي النظام على عدة مواد مهمة جدا، أولها لا يسمح بالعمل في دول الخليج إلا لمن يستطيع العمل والتحدث باللغة العربية حيث ستفتح هذه المادة آلاف الفرص الوظيفية في الخارج، لا تقبل البضائع والمنتجات الأجنبية غير المدعومة باللغة العربية، تعزيزا لجهود الدول في الداخل لإصلاح وضع اللغة، لا يقبل في الجامعات أو العمل في التدريس إلا من يجتاز امتحان الكفاءة في اللغة العربية، حتى وإن كان التدريس باللغة الأجنبية، لا يقبل في الوظائف الحكومية والأهلية والإعلام إلا من يجتاز امتحان الكفاءة في اللغة العربية، وحسب معايير في الكتابة والقراءة والمحادثة. وهذه التنظيمات سوف تدفع الكثير من المؤسسات والأفراد لتغيير سياساتها، كما يجب أن تفتح معاهد ومراكز لتعليم اللغة العربية والتدريب في كل مكان داخل الدول الخليجية. هذا هو مصدر من أهم مصادر الدخل الوطني لو أحسن التخطيط له. ويجب الاستثمار في اللغة العربية بشكل يشبه الاستثمار في اللغة الإنجليزية، على أن تتحول اللغة العربية إلى سلعة للتجارة لتعود بالفوائد والربح على جميع المستفيدين منها.
وأخيرا يجب أن يعلم الجميع أن دولا لا يتعدى سكانها ثلاثة وأربعة ملايين لا تُعلِّم ولا تعمل إلا باللغة الوطنية، ومع هذا تعد من أكثر الدول تقدما.