لم يعد شيئا جديدا ولا مستغربا، ومنذ سنين، كلما سمعت أن طالبان تنفذ عمليات انتحارية في أسواق وشوارع أفغانستان وباكستان، أن بوكو حرام تخطف فتيات في نيجيريا، حركة الشباب الإسلامية تنشر الرعب والقتلى في الصومال، قتلى في سيناء مصر، أن داعش تقتل المسلمين بجميع طوائفهم، وأخيرا واحد وعشرون قبطيا في ليبيا، نظام البعث وجبهة النصرة وداعش. تزيد من المهجرين والقتلى في العراق وسورية حتى صار عدّهم فوق الإمكان، النساء الإيزيديات يُبعن بمئة وخمسين دولارا للواحدة، والمسيحيون يُمهلون لأربعة وعشرين ساعة كي يغادروا الموصل دون حمل شيء من ممتلكاتهم، أطفال يموتون من الصقيع في الملاجئ، قاصرات يتعرضن للزيجات والابتزاز، القاعدة تهاجم مستشفى في اليمن وتقتل هنا وهناك، محاولات من حين لآخر لاختراق الحدود السعودية، ووقوع شهداء، تفجيرات ينفذها انتحاريون في بيروت وطرابلس. داعش تخطط لخطف الخليجيين في لبنان والأردن ومصر لاستعمالهم كرهائن ثم قتلهم وربما حرقهم. حمقى السنة والشيعة يتوعدون بعضهم، وغيرها وغيرها من الأخبار العظيمة التي تُشع بها هذه البلاد، ضع هذا كله إلى جوار ما يذوقه الفلسطينيون من القتل والمهانة والاحتلال ليل نهار، ثم اشعر بالامتنان والحظ أنك خُلقت وتعيش في هذا المشرق، العربي منه خصوصا، وقل يا للسعادة! كل هذا النوع من الأخبار لم يعد شيئا جديدا ولا مستغربا، فقد نشأنا ونكبر عاما إثر عام عليها، الحياة البهيجة.
الروائية الفرنسية كاترين ريهوا، إحدى مناهضات الحروب والسلاح، قالت مرة، وبسخرية: يجب أن نُقتل الآن، كي لا يقتلنا أحد غدا، يجب أن نضع رؤوسنا في حبل المشنقة، حتى لا يظل الجلاد عاطلا عن العمل، وتتفشى البطالة، مرة أخرى قالت، وبتأمل: شاهدت صورا من كمبوديا لأحد الأدغال التي اكتشفوا بها حقلا للجماجم البشرية، لم تكن الجماجم ميتة قط، فقد نبت فيها العشب، وبعضها تحول إلى أوان للأزهار بكل معنى الكلمة، إذًا هذه الجمجمة التي لا تزال عالقة حتى الآن فوق أكتافنا، يمكن أن تكون مكانا لغابات البنفسج.
ترى كم من الجماجم، تزدحم بها هذه البلاد، في العالم الإسلامي السعيد، وفي طريقها لتصير أواني ومزهريات، تزين الطرقات والميادين وباحات البيوت، وردهات المتاحف، وتتوسط طاولات المقاهي التي يُستفرغ عليها بالعادة أرخص الثرثرات والتحليل والشتم والتخوين والكذب.