بعد ما يقارب الـ20 يوما من تنصيب ملك، تبدو زفة المشهد في تحليلات البعض لمستقبل خطابنا الثقافي والفكري بين مدرستين. إذ يحتفي غلاة المتشددين بأن العهد الجديد سيلجم ما يسمونه دعاة التنوير والإصلاح تحت غطاء الليبرالية والعلمانية والتغريب، ويحتفل هؤلاء بأنهم دخلوا بلاط الديوان العالي من الباب الواسع المفتوح في دورة جديدة. في المقابل يضغط غلاة الليبرالية بإشاعات موقوتة مقيتة، وهم ينعون نهاية سقف الحريات الوطني المرتفع، في تجن واضح لم يقرأ من هو سلمان بن عبدالعزيز، وبالنسبة لي فأنا لا أعتبر سلمان بن عبدالعزيز صديقا تاريخيا للكِتاب والكَاتب والقلم، بقدر ما أراه ترمومترا استثنائيا لقراءة كل التحولات الثقافية في المشهد الفكري السعودي. هو الأمير الذي دخل إمارة الرياض يوم كانت نسبة الأمية في بلده تقارب الـ85%، مثلما هو الملك الجديد الذي تسلّم مسؤولية شعبه المكتملة بنسبة أمية لا تصل حتى لـ5%. هو القارئ الحصيف، وبكل الامتياز للحقيقة الكبرى في أن مستوى التعليم هو الضاغط الأول على ارتفاع سقف الحرية. هو الأمير الذي ظل 60 سنة متواصلة يستقبل كل شرائح هذا الشعب في مجلسه مرتين في اليوم الواحد. هو الأمير الذي دخل لمكتبه الأول قبل 60 سنة في بلد بلا صحيفة، مثلما هو الملك الذي يعلم أن شعبه أكبر زبون في عالمه العربي لفضاء الحرية المفتوح على مصراعيه داخل عوالم السايبر الإلكتروني.
هو الأمير الذي دخل إمارة الرياض ذات يوم، فيما الصراع يدور به حول فتح مدرسة ابتدائية لتعليم المرأة، مثلما هو الملك الذي تسلّم مسؤولية شعب تزيد نسبة وجود المرأة في جامعاته عن الرجل في تقسيم النسبة المئوية، ومن ثم الضغط على الوظيفة وسقف الوجود في المستقبل. وكل هذه الحقائق لن تسمح لمتطرف أو متشدد من غلاة المدرستين بالتراجع عن سقف الحريات العامة في الفكر والوظيفة والمشاركة المجتمعية، لأننا أمام ملك عاصر كل هذه التحولات المجتمعية، وشهد كل فتراتها لـ60 سنة من الوظيفة الرسمية، في قلب المجتمع نفسه ومن داخل غرفته!
هو أول من يعرف تماما أن كل جدران البيت تتحمل التعديل والإضافة والحذف والزيادة، عدا شيء ثابت واحد: إنه السقف.