دور العالم الشرعي الجمع بين النص والواقع، والجمع بينه وبين نص آخر، والجمع بينه وبين القيمة الإنسانية
تعتري بعضَ السياسات المتخذة في الدولة المسلمة بعضُ العراقيل الدينية، أو تصادم أحيانا بعض النصوص الشرعية، فيظن البعض أن هذه السياسة لا تعد شرعية أو مخالفة للإسلام لمجرد مخالفتها لهذا النص، فيتعرقل كثير من المشاريع لذلك تحت عبارة الدين أهم من الدنيا، وأن المحرم لا يباح إلا للضرورة، وأنه لا ينبغي أن نترك ديننا لحظ من الدنيا، وهذه العبارات إذا استخدمت في غير معناها فإنها تعتبر تخديرية، لأن فكرة ذم الدنيا في الخطاب الإسلامي متوجهة للدنيا الشخصية أو دنيا الفرد أو الطمع الشخصي، لا دنيا الناس أو الدولة، فهذه من الدين، وليست من الدنيا حتى وإن لم تصل حاجة الناس والبلاد إلى مرتبة الضرورة.
فلو نظرنا إلى فرض الكفاية سنجد أنه في غالبيته لمصالح دنيوية عامة، وليس لمصلحة دينية ضيقة إلا فيما ندر، فغالبية صوره للدنيا، فالدنيا هنا قد أوجدت فرضا دينيا كما يوجده النص تماما، وكذلك الاستحسان هو لمصالح دنيوية عامة، وليس للدين ذاته، بل ربما تكون هذه الدنيا من أوجب الواجبات الدينية في حال إن كان الإسلام لا يعرف إلا باهتمامه بالعمل والإنتاج، ولا أقصد الحث على العمل، وإنما حكم مخالفة نص ديني يحرم لمصلحة دنيوية نراها، فالنص الجزئي المحرم ليس هو لب وجوهر الإسلام والدين ـ خاصة إذا كان التحريم لم يعرف إلا من حروف النص فقط ـ بل إن إرادة التشريع في المعاني الحرفية غير واضحة به من الأساس ـ وإنما يدخل التشريع في بنية النص بشكل كامل وفي منظومة النظر عموما، ربما نستثني الكبائر والتي يندر أن تتوافق مع مصلحة، أما ما دونها فلا شك أن الإنتاج والعمل يقدمان على آحادها لأن غالبية ما دون الكبائر لم يشرّع بشكل قطعي أو حتمي، أو حرم لمعنى لم يعد موجودا، أو لمعنى ولكن يوجد ما هو أهم منه من المعاني التي أتى بها الإسلام، وهذا هو معنى ضم الجزء إلى الكل، أما إحضار النص كما يؤتى بالقرار الإداري، ومن ثم المطالبة بتطبيقه فهذا جهل به وبالإسلام، وإذا كان ما أذكره ممنوعا فما معنى الرجوع إلى العلماء؟
فالعثور على النص وتطبيقه بشكل حرفي يجيده كل أحد، إن دور العالم هو الجمع بين النص والواقع، والجمع بينه وبين نص آخر، والجمع بينه وبين القيمة الإنسانية، وهذه الأخيرة هي الأهم، وهي المهمة الدقيقة للعالم، والأمر الذي يتمايز به العلماء.
فما يعتبر مخالفات شرعية في نظر البعض في بعض الجامعات أو الملتقيات الفكرية أو المراكز البحثية أو الإعلام أو الاقتصاد أو السياحة أو الابتعاث ليست كذلك، بل إعاقتها من أجل نصوص جزئية هي المخالفة الواضحة للإسلام.