لا بد من دعم الهيئة العامة للاستثمار لسعيها في إعادة هيكلتها وصياغة لوائحها، لتحسين بيئتنا الاستثمارية ورفع ترتيبنا على مؤشر التنافسية العالمية، فهو المعيار الأساس لقياس مستوى إنجازاتنا
خلال الأسبوع الماضي نظمت الهيئة العامة للاستثمار المؤتمر الدولي للتنافسية بمشاركة 60 متحدثا و3 آلاف خبير من مختلف أنحاء العالم.
جاء هذا المؤتمر متزامنا مع التحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي، التي تعتمد في المقام الأول على مدى قدرتنا الذاتية على مواجهة المنافسة الدولية، وتوفير المناخ المناسب للأعمال في أسواقنا، وتوظيف وسائل الابتكار والتميز في استثماراتنا. هذه التحديات حثت الهيئة العامة للاستثمار على تحصين أنظمتها ولوائحها، وإعادة هيكلة مهامها ورفع مستوى طموحاتها، لوضع المملكة في مصاف الاقتصادات الأكثر تنافسية في التصنيف العالمي.
بالرغم من اختلاف الظروف الاقتصادية التي تواجهها كل دولة من دول العالم، إلا أن مفهوم التنافسية يحتم علينا التمييز بين نوعين من الدول: النوع الأول، الذي يعتمد في إنتاجيته على القيمة المضافة المتدنية والمعدل الأدنى لهامش الربح، يؤدي بهذه الدول للاعتقاد الخاطئ بأنها تنعم بعناصر التنافسية، بسبب ضغطها الدائم والمستمر على الأجور بهدف تخفيض تكاليف الإنتاج ومواكبة التذبذبات في الأسعار العالمية للمواد الخام.
والنوع الثاني، الذي يعتمد في إنتاجيته على القيمة المضافة العالية والمعدل الأعلى لهامش الربح، يؤدي بهذه الدول إلى زيادة تنافسيتها وارتفاع دخل أفرادها كنتيجة حتمية لارتفاع المستوى المطلوب من العاملين في منشآتها، لتحقق هذه الدول المزيد من الرخاء والازدهار لمجتمعاتها.
النظام العالمي الجديد، المتمثل في تحرير التجارة وعولمة الاقتصاد، أدى إلى تقوض المنافسة التقليدية بين الدول على الصعيد العالمي، بسبب تلاشي الرسوم الجمركية، لتحل مكانها العوائق الفنية المتعلقة بمعايير الجودة والبيئة، ما أدى إلى بزوغ فجر التنافسية التي تعتمد على درجة عالية من القدرة على الإبداع والمهارة في الابتكار، فأصبحت مؤشرا رئيسا لقوة الدولة الاقتصادية ومطلبا أساسا لخروجها من محدودية السوق المحلي إلى رحابة السوق العالمي.
في مؤشر التنافسية العالمي تحظى جميع الاقتصادات الرئيسة على سجل حافل لمهاراتها التنموية الرامية إلى استقطاب الاستثمارات التي تعزز الموهبة والابتكار، وتدعم قوة الإصلاحات الهيكلية، وتفتح آفاق الشراكة الفعلية بين القطاعين العام والخاص لتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة. لذا جاء مفهوم التنافسية ليشمل قدرة المنشآت على تزويد المستهلك بمنتجات وخدمات بشكل أكثر كفاءة وفعالية من الآخرين في الأسواق العالمية، في ظل غياب الدعم والحماية من قبل الحكومة. وأصبحت أساليب الإبداع والابتكار، على اختلاف مواردها وتقنياتها، القوة الحقيقية للمتنافسين، دون الاعتماد على الدعم والحماية الحكومية.
وهذا أدى بدوره إلى رفع القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني، وتحقيق معدل مرتفع ومستمر لمستوى المعيشة ودخل الفرد، مع تراجع مؤشرات الفساد وتلاشي أساليب الغش والاحتيال. منذ عام 1997 والمنتدى الاقتصادي العالمي في سويسرا يصدر تقاريره السنوية بشأن التنافسية بين 144 دولة حول العالم.
في هذا العام أكد التقرير على: ضرورة مواجهة الأخطار التي تحف العالم جراء بطء الدول في إصلاحاتها الهيكلية لتحقيق النمو الاقتصادي المطلوب على المدى البعيد.
لذا جاء ترتيب التنافسية بين الدول مستندا في تقريره الحالي على المؤشرات التي حددها المنتدى الاقتصادي العالمي، وتضم 12 مؤشرا رئيسا و110 مؤشرات فرعية، تبدأ بتقييم مدى جاهزية المؤسسات، والابتكار، وبيئة الاقتصاد الكلي، والصحة، والتعليم الأساسي، والتعليم الجامعي والتدريب، وكفاءة أسواق السلع، وكفاءة سوق العمل، وتطوير سوق المال، والجاهزية التقنية، وحجم السوق، وتنتهي بتقييم مدى تقدم الأعمال.
وفي تقرير العام الجاري تصدرت سويسرا مؤشر التنافسية للعام السادس على التوالي، فيما احتفظت سنغافورة بمركزها الثاني، وجاءت أميركا في المرتبة الثالثة، بينما تراجعت كل من فنلندا وألمانيا إلى المرتبة الرابعة والخامسة على التوالي لكل منهما، وتلتهما اليابان في المركز السادس، بعد أن قفزت ثلاثة مراتب في عام واحد، وحافظت هونغ كونغ على مركزها السابع.
كما قفزت دولة الإمارات 7 مراكز لتتصدر دول المنطقة العربية في المرتبة 12، بينما حققت السعودية المركز الـ24، وجاءت الصين في المرتبة الـ28، وتراجعت تركيا إلى المرتبة الـ45. ورغم أن التقرير يقسم مقومات النجاح إلى 12 عنصرا لقياس مؤشرات النمو والتقدم ومن ثم يوزعها على مؤشرات فرعية وقطاعية متنوعة، إلا أنه يؤكد على تميز الدول في المراتب العليا لمكانتها في سياسات التعليم، والتزامها بالإصلاحات الهيكلية وتحسين مناخها الاستثماري، وتعزيز قدرتها على التجديد من أجل زيادة نمو القطاع الخاص وتوطين الوظائف.
لذا احتلت دول مجلس التعاون الخليجي المراكز الأولى عربيا، بينما احتلت الأردن المركز السادس عربيا والمركز الـ64 عالميا، يليها المغرب في المركز السابع عربيا، والمركز الـ72 عالميا، بينما احتلت الجزائر المركز الثامن عربيا، في الوقت الذي حققت فيها تقدما واضحا على المستوى العالمي.
أما دول الربيع العربي، فقد شهدت تراجعا في ترتيبها الدولي لاستمرار الاضطرابات السياسية وعوامل عدم الاستقرار الأخرى التي تلعب دورا مهما في درجة استعداد الدولة للمنافسة على النطاق العالمي، وبصفة خاصة ليبيا، التي تراجع ترتيبها الدولي من المركز الـ108 إلى المركز الـ126، يليها لبنان الذي تراجع من المركز الـ103 إلى المركز الـ113، وتونس من المركز الـ83 إلى المركز الـ85، ومصر من المركز الـ118 إلى المركز الـ119.
لا بد من دعم الهيئة العامة للاستثمار لسيعها الدؤوب في إعادة هيكلتها وصياغة لوائحها، لتحسين بيئتنا الاستثمارية ورفع ترتيبنا على مؤشر التنافسية العالمية، فهو المعيار الأساس لقياس مستوى إنجازات المملكة، ويعكس حرص ولاة أمرنا على دفع عجلة التنمية والإنتاجية وتوطين وظائفنا.