اللافت في الأوامر الملكية الأخيرة هو إعفاء بعض الوزراء الذين لم يمض على توزيرهم ستين يوماً.. وإعفاء آخرين لم يتوقع الكثيرون أن تشملهم قرارات الإعفاء..
مثل هذه الأوامر الحاسمة ترسل رسائل إلى من يتبوّءون المناصب في بلادنا بأن الإعفاء قد يأتي في أي لحظة.. وأن الإعفاءات لا تستثني أحداً، وأن عبارة بناء على طلبه تم شطبها من القاموس تماماً.. نعلم أنه لا أحد يطلب الإعفاء، وأن بعض المسؤولين لن يمانع لو جلس على قلوبنا مئة سنة!
سيئ جداً أن يصل إلى الإنسان شعور بأنه هو المنقذ الوحيد، وأن وجوده على كرسي الوزارة هو فضلٌ منه على الناس، ولولا شعبة الحياء لربما نقل مكتبه إلى حوش منزله!
لو أن كل إنسان راقب سلفه وتأمل كيف جاء إلى كرسي كان يجلس عليه وزير آخر، وأدرك أن يوماً ما سيترك هو ذات الكرسي لوزير آخر لتغير كثير من القناعات، وتبدلت الحال نحو الأفضل.
النقطة الأخرى - التي تأتي مرادفة لما سبق - هي ما نمارسه نحن.. إذ إننا نحن من رفع هؤلاء الموظفين إلى منزلة كبيرة.. تأمل زيارات الوزراء الميدانية.. قلت ذلك مراراً.. استقبال على السجاد الأحمر.. قاعات ضخمة.. كراسي وثيرة وفخمة.. طاولات تسد الممرات تنوء بحمل العصيرات والحلويات والورود.. كلمات وقصائد ودروع.. وكاميرات وفلاشات.. مباخر تدور على مدار اللحظة.. تتحول الزيارة من تفقدية إلى جلسة تشبه هرطقات الشعوذة وتحضير الأرواح!
نحن من أحاط هؤلاء الموظفين بهالة من القداسة.. نحن الذين كذبنا الكذبة وصدقناها.. نحن الذين وضعناهم في أماكن عالية، فعجزنا عن الوصول إليهم!
لو أدرك هؤلاء أنهم موظفون، وسيمضون في أي لحظة كما مضى غيرهم، وأدركنا نحن في المقابل هذه الحقيقة، لتغيّرت الحال والأحوال بوتيرة أسرع..
هل سنفعل خلال الأيام القادمة؟ أرجو ذلك..