القضايا التنموية الداخلية لا ينبغي أن تشغل بلادنا عن لعب دور إقليمي لحماية مصالحها، وبناء تحالفاتها الدولية، على التوازي مع برامج التنمية الوطنية

من شأن النظرة الأحادية إلى المواقف أن تحصر وجهة نظر أحدنا في زاوية ضيقة، وتصرفه عن رؤية أبعاد أخرى للحقيقة تكون الحاجة ماسة إلى رؤيتها وصولاً إلى رؤية متكاملة تتحقق بها المصلحة، لا رؤية مُجْتَزَأة نبني عليها تصورات خاطئة، وقد يتطور الأمر إلى ما هو أبعد من التصورات، حين يقرر بعض محدودي الرؤية أن يكون لهم دور في المشهد العام، فتكون النتيجة ما نشهده من تطرف في أفكار الأفراد ومواقفهم على نحو قد يمثل عبئاً، بل ربما يمثل خطراً على المصلحة العامة، حين يمنح أحدهم نفسه صلاحية التدخل في الشأن العام، من دون أي سلطة أو تفويض رسمي، في مشهد وصاية على المجتمع يصل في أقصى حالاته تطرفاً إلى ما ندفع ثمنه جميعاً من إرهاب وخروقات أمنية واجتماعية هنا وهناك.
وعلى الرغم من مرارة المآل الأخير للوضع في العاصمة العربية المختطفة صنعاء إثر الانقلاب الأخير في الجارة اليمن، وعلى الرغم مما يحمله من رسائل غير مُطَمْئِنة للمملكة في ظل ما تطرقنا إليه سابقاً من محاولات إيرانية لتطويق الخليج العربي عموماً، والمملكة على وجه الخصوص، والمساعي الإيرانية لفرض نوع من الهيمنة وإحكام قبضة الجمهورية الإيرانية على دول المنطقة، إلا أن ثّمّ درساً بالغ الأهمية ندعو الجميع إلى تعلمه من هذه القلاقل التي تسعى الدولة الإيرانية إلى نفخ أتونها من حول بلدان خليجنا العربي، هو ضرورة التنبه إلى أن تكتل القوى الحليفة بالمنطقة سبيل لا يَملك أيٌّ من دول خليجنا العربي ترف التخلي عنه، وأنّ تَذَمُّرَ بعضِهم على مواقع التواصل من دخول المملكة في تحالفات مع بعض دول المنطقة، وربما دعم بعض الاقتصادات التي تضررت من آثار ما يسمى بالربيع العربي، ليس أكثر من دعاوى عزلة من شأنها أن تدعم جهود دولة مثل إيران وحلفائها في تطويق بلدنا.
إن تذمر بعضهم من وقفات المملكة إلى جانب أشقاء عرب في المنطقة تربطنا بهم أهداف ومصالح مشتركة، وتعبيرهم عن ذلك تصريحاً أو تلميحاً، ودعوة بعضهم، ولو في المجالس الخاصة، إلى اكتفاء المملكة بمعالجة قضاياها الداخلية وترك محيطها الإقليمي وشأنه، أمر مؤسف حقاً، لما ينطوي عليه من إغراق بالغ في حالة من الانكفاء على الذات، والعزلة، والتقوقع حول عدد من القضايا التنموية الداخلية التي لا ينبغي على الإطلاق أن تشغل بلادنا عن لعب دور إقليمي لحماية مصالحها، وبناء تحالفاتها الدولية، على التوازي مع برامج التنمية الوطنية.
لذا، نُذَكِّر الجميع مجدداً، لعل الذكرى تنفع المؤمنين، بأن إيران التي تقف الآن على حدودنا مع اليمن، ومن قبل وقفت على حدودنا مع العراق، وتسعى إلى صناعة القلاقل في مملكة البحرين الشقيقة، ضمن المساعي الحثيثة لإحكام قبضتها على المنطقة، ما كان لها أن تصل إلى ما وصلت إليه، ولا التقدم على هذه المساحات الشاسعة من العواصم العربية، بالعزلة والانكفاء على الذات والتقوقع حول مشكلاتها، كما نذكِّر هؤلاء الأصدقاء، بأن مساعيهم إلى التشكيك في حكمة قرارات بلدنا وهي تسعى إلى تعزيز تحالفاتها الإقليمية، من شأنها إرباك الجبهة الداخلية، وهذا آخر ما نحتاج إليه في هذا الظرف بالغ الصعوبة والتعقيد، وهو ما لن يغفره لهم الوطن، قيادة وشعباً، بعدما تنجح بلادنا في بناء قاعدتها الإقليمية القوية التي من شأنها أن تكون صخرة تتحطم عليها أطماع أعداء يسعون إلى تطويق بلادنا من كل صوب.. لا بلغهم الله آمالهم.