الذين يكيدون للمملكة في أنحاء العالم تغيظهم وحدتنا وقوتنا والأمن الذي ننعم فيه، وهو لا شك ليس هينا لنتهاون في حمايته، ليكون مستقبل أطفالنا في بلد اسمه المملكة العربية السعودية
تعجز الكلمات عن رثاء رجل مثل الملك عبدالله ـ رحمة الله عليه ـ لكن يكفينا أن نؤمن أن الله عز وجل أرحم منا نحن البشر، وأننا كشهود لله في أرضه نسأل الله له دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، ومقاما عظيما عند ربه.
لقد ترك مليكنا الراحل هذه البلاد وهي في قمة ثباتها، وفي أوج انطلاقة عظمى نحو مجد آخر، بأيدي شباب هم صنيعة يديه بعد الله وثمرة عمله، فتح لهم منابع العلم والمعرفة، وأعد كلا منهم لواجبات يحتاجها الوطن، ليكونوا فرسان حماية للبلاد في بحرها وبرها وسمائها، ليكون هؤلاء وهؤلاء دعائم استقرار لحضارة المملكة وثباتها القادم.
إن رحيل ملك سعودي ليس شيئا جديدا، بل سبقه ملوك وملوك، وفي كل مرة كنا نجد ولي العهد مستعدا لتولي مسؤولياته، قادرا على أداء مهامه، مستعينا بعد الله بشعبه الواثق دائما بأسرة كانت وما زالت منبعا للرجال القادرين على الحفاظ على أمانة والدهم العظيم المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود، ألا وهي المملكة العربية السعودية .
أضف إلى ذلك أن الحكم في السعودية ليس نظاما شخصيا يتأثر برحيل قائده، لذا لم يلمس السعوديون تغيرا كبيرا بين الفترات التي حكم فيها كل ملك، فكل رجل منهم كان يأتي ليكمل عمل الآخر، وفق نفس القواعد التي انطلق منها الملك الذي سبقه التي هي غالبا المبادئ التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية، فهم كما قال الشاعر العربي:
إِذا مات منّا سَيِّدٌ قامَ سَيِّدٌ
قَؤُولٌ لِما قالَ الكِرامُ فَعُولُ
على مدى عقود ومن ملك إلى ملك صنعت السعودية الواقع الذي عجزت بلاد أخرى أن تحققه، نعلم اليوم أنها ملكت ما ملكته السعودية من نفط، لكنها لم يكن فيها رجال كملوكنا وقادتنا، وهنا الفرق الذي لا يدركه البعض، إن رجالا وحد أبوهم بلدا مثل السعودية لم يكونوا عاجزين ـ ولن يكونوا بإذن الله ـ عن حمايته وثبات استمراره.
واليوم مليكنا القادم سلمان بن عبدالعزيز تسلم شعبا أكثر ثقافة ووعيا بأهمية الالتفاف حول القيادة، ونبذ كل من يحاول هز استقرار الوطن بمزاعم لا تحقق سوى الفوضى والعنف.
السعوديون اليوم يوقنون بأن بقاء بلادهم ثابتة وسط الصراعات التي تموج بها بلاد أخر منوط بثباتهم هم حول ملكهم وقائدهم.
لقد صنع السعوديون بلادا لنا جميعا على اختلاف لهجاتنا وأنسابنا وأشكالنا، فمن ولد جده في قرية من قرى الباحة ولد هو وتربى في مدينة في الشرقية، ومن توحي هيئته إليك بأنه من جازان نجد تربيته ونشأته توحي بأنه من نجد، ومن يعرف حواري جدة ويجيد السباحة في بحرها قد يكون نسبه ينتهي بالرياض، وقد تقابل رجلا من نجران يعلّم في الشمال، وآخر يبني منزله في تبوك، وقبر والده في حائل.
لقد اختلطت دماؤنا وألواننا وقلوبنا حتى ظننا لو شق عنها لوجدناها مكتوبا فيها سعوديون وكفى.
إن محاولات البعض زعزعة هذه الوحدة هي محاولات مضحكة، خاصة لأن العامل المشترك في ثبات الشعوب وتوحدها يتمثل في مدى قوة تعليمهم وثقافتهم، والشعب السعودي يتميز بالثقافة، خاصة في السنوات الأخيرة التي ازدهر فيها التعليم والبعثات وافتتاح الجامعات ونشر المدارس في كل قرية وهجرة، وتشجيع المعرفة بافتتاح المكتبات، وصناعة الأحداث المهمة كالمهرجانات الثقافية، لذا ليس من السهل خداعه كما خُدعت شعوب أخرى.
كما أن هبوط أسعار النفط يخبر السعوديين أن ما يجمعهم ليس الثروات المادية، ولكن ما هو أثمن وأعظم، وإذا أرادوا التقدم أكثر فسيكون ذلك عبر اجتماعهم وتوحدهم والإيمان بقدرة الإنسان على صناعة النجاح حتى لو لم يكن معه نفط، ولنا مثال في اليابان ودول الغرب كبريطانيا التي تعتمد على ما ينتجه شعوبها وليس ما يجدونه تحت ترابه.
إن هؤلاء الذين يكيدون للمملكة في أنحاء العالم، تغيظهم وحدتنا وقوتنا والأمن الذي ننعم فيه، وهو شيء ولا شك ليس هينا لنتهاون في حمايته، ليكون مستقبل أطفالنا وأطفال أطفالهم في بلد اسمه المملكة العربية السعودية، يستمد مبادئه من شريعة الإسلام، ويمنح مواطنيه حق الحياة كبشر، ويحمل للإنسانية جمعاء الرحمة والسلام، كما أراد ملوكه الماضون ـ رحمة الله عليهم جميعا ـ واللاحقون من أسرة وحّدنا والدها وصنع لنا وطنا لا يشبه الأوطان، وشعبه يدرك ذلك جيدا.