لقد عشنا زمنا ممتدا معزولين عن بعضنا البعض، لا حوارات، لا مكان لأي اختلاف، اعتبار أية فكرة جديدة شيئا غريبا ومخيفا يداهمنا، نتعامل مع الأحداث بإملاء واحد، بصوت مستنسخ، بردات فعل تتناسل من الأعلى للأسفل، دون أن تكون هناك فرصة لكلمة أو تعبير خارج عن سياق الراحة والطمأنينة والانكماش على الذات. الاختباء وراء هيئة قدسية أو مقولة أو فتوى يحسم كل جدل وينقض على أي منطق.
حين جاء الفيسبوك وتويتر وسواها من وسائط الاتصال اكتشفنا أننا نعاني ضمورا رهيبا في حوارنا مع بعضنا البعض، لم نكن من قبل قد اعتدنا الحديث بلا وصاية، فوجئنا أنه يمكننا أن نقول ما نريده، وكان طبيعيا أن تشهد مساحات هذه الوسائط الهائلة من فسحة التعبير، ما لا يخطر بالبال من الخصام والسباب والضغينة والتأليب.
صفحات وهاشتاقات تشهير وانتقام وجلد وتكفير وعنصريات وقذف وسفاهة ليس لها حدّ، بدا تويتر بالذات في كثير من القضايا وكأنه مكان لانتقام فظيع، يشنه المجتمع على نفسه، على تمريناته المحدودة في التفكير وتناول ما يحدث فيه من حين لآخر. كل هذا يمكن أن يكون طبيعيا في هذا التدريب الصعب على الكلام، لكنه ويا للأسف وبعد عشر سنين تقريبا من هذه التجربة ما زال هناك من يختبئ وراء معرفات مجهولة ليشيع الإساءات، ليدلق أكثر ما في نفسه من الوساخة والأمراض ودناءات القول.
هؤلاء هم الأنذال المرضى، الجبناء الذين لا يملكون الشجاعة ليقولوا ما بدواخلهم، بوجوههم وأسمائهم الصريحة.