اتهامات جديدة يسوقها الإعلام الإيراني ضد الوطن، تضاف إلى ما سبق وأعلنته وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية فارس عن الصحيفة قبل نحو شهر، على خلفية نشرها سلسلة تقارير ولقاءات مع متضررين من سياسة طهران القمعية والمضطهدة للأقليات العربية، بخاصة في إقليم الأحواز العربي.
وبعد نشر الصحيفة أول من أمس مطالبة قيادي في المنظمة الوطنية لتحرير الأحواز حزم بغطاء عربي لحماية الشعب الأحوازي، خرجت صحيفة رجاء نيوز الرسمية وقناة العالم الفضائية الناطقة بالعربية بتهمة جديدة للصحيفة، ووصفتها بـالعدائية، ومحاولة زرع الفتنة في جنوب البلاد، وأن الوطن تساند قضايا الأحواز وفق مؤامرة على نظام طهران.
وعلق مراقبون ومتخصصون في الشؤون الإيرانية على الأمر بأن الوطن وإن كانت تبنت هذا الملف بمفردها، إلا أنه تقابلها وكالات أنباء رسمية وصحف وقنوات تلفزيون إيرانية، جميعها تم تسخيرها للتدخل في شأن القضاء السعودي بعد الحكم على نمر النمر، بل إن التدخلات الإعلامية في الشأن الداخلي السعودي ذهبت أبعد من ذلك، وأن الأمر لا يقارن ـ بحسب مراقبين ـ بالسلوك الإعلامي لطهران، وأن الصحيفة السعودية لم تنشر إلا تقارير تختص بالشأن العربي فقط.
وقال الباحث عايد الشمري: الهجمات التي تعرضت لها الصحيفة كانت من مواقع إخبارية محسوبة على متشددين، وتحديدا رئيس مجلس صيانة الدستور أحمد جنتي، مضيفا الصراخ على قدر الألم.
المتتبع لسياسات نظام الجمهورية الإيرانية، يلحظ أنها وخلال السنوات الماضية، لم تعتد على مناكفاتها والركض وراء فضح ممارساتها إعلاميا. يؤكد ذلك تجربة الوطن مع النظام الإيراني، بعد أن فتحت ملف الأقليات والشعوب المضطهدة، لا سيما العربية منها. ومع كل مرة تفتح الصحيفة ملفا يفضح انتهاكات نظام الملالي، تخرج طهران تارة بتحذير الإعلام السعودي من الاقتداء بـالوطن، وتارة أخرى تتهمها بمحاولة إثارة الفتنة، خصوصا في الإقليم الجنوبي المحتل ذي الغالبية العربية.
يوم أول من أمس، استشاطت طهران، عبر وسائل إعلامها على الوطن، بعد نشرها تقريرا على لسان قيادي في المنظمة الوطنية لتحرير الأحواز حزم، طالب فيه بما سماه غطاء عربيا، من شأنه حماية الشعب الأحوازي، وبالتالي حماية منطقة الخليج بأسرها من أصابع الشر الإيرانية.
وبناء على ذلك التقرير، خرجت صحيفة رجاء نيوز الإيرانية الرسمية تصاحبها قناة العالم الفضائية، ذات الهوى الفارسي، مُتهمة الوطن بما قالت إنه عدائية، ومحاولة لزرع الفتنة في جنوب البلاد – أي إيران -. وأكثر من ذلك، حين وصف الإعلام الإيراني أن تحركات صحيفة الوطن ومساندتها لقضايا الأحواز العادلة، تنبثق مما وصفته بـالمؤامرة على نظام طهران.
صد مشروع التوسع
وفي المقابل يرى مراقبون أن صحيفة الوطن بمفردها، تقابلها وكالات أنباء فارسية رسمية وصحف وقنوات تلفزيون إيرانية، جميعها تم تسخيرها للتدخل في شأن سعودي قضائي، بعد الحكم على نمر النمر، الأمر الذي اعتبروه لا يقارن بالسلوك الإعلامي لطهران، بل إن الوطن لم تكتب إلا عن شأن عربي بحت.
وأكد المدير التنفيذي لحزم الدكتور عباس الكعبي لـالوطن، أن إيران ليس لها الحق إطلاقا في مثل هذا الادعاء الباطل، فالتدخل الأجنبي الإيراني في الشأن الداخلي السعودي لا يتوقف عند قضية نمر النمر، بل إن إيران ترى في السعودية ندا لها في المنطقة، وتقف بقوة أمام مشروعها التوسعي في الوطن العربي.
وأوضح الكعبي أنه وبإعلان إيران عن أن صنعاء رابع عاصمة عربية تصبح تحت الهيمنة الإيرانية نفهم أنهم يعبرون بذلك عن رغبتهم الجامحة في الهيمنة على أوسع نطاق في العالم العربي، وكأن العرب دول مستباحة.
من جانب آخر، قال المتخصص في الشأن الإيراني عايد الشمري في حديثه إلى الوطن، إن الهجوم الذي تعرضت له الصحيفة كان ضمنه أحد المواقع الإخبارية المحسوبة على المتشددين، وتحديدا مقرب من رئيس مجلس صيانة الدستور أحمد جنتي.
الصراخ على قدر الألم
ويجد الشمري أن إيران لم تعتد من الصحف الخليجية النشر عن قضايا وملفات الأحواز ومطالب الأحوازيين، وعما يجري لهم من اضطهاد وعنصرية وظلم على مختلف الأصعدة. واستدل الشمري بآخر صور الإرهاب النظامي الإيراني ضد الأحواز، حين حرفت مسار نهر كارون الأحوازي إلى مدن فارسية، وجفت بالتالي الأراضي العربية، مع أن الإقليم الأحوازي المحتل هو المصدر الوحيد للموارد الطبيعية، من مياه وطاقة كالبترول والغاز وغيرها. واستدرك الشمري بالقول ما بالكم حينما يخاطب الأحوازيون قادة دول الخليج العربي وينشر ذلك في صحيفة سعودية رسمية. حتما سيكون الوقع على طهران أكبر من الأمر ذاته. بمعنى أن الصراخ على قدر الألم.
وأردف الشمري قائلا: أما تغطية الوطن لأخبار الأحواز فهي واجب ديني وعربي تشكر عليه. ونأسف أنها تعمل وحيدة في السعودية ضد آلاف المواقع الإيرانية، ومن هذا الجانب تحظى باهتمام بالغ من هيئات الرصد الإيرانية.
وفيما يخص وصف إيران عمل الوطن بأنه فتنة، أوضح الشمري أن طهران تعتبر كل ما ينشر ضدها فتنة وهي تتدخل ليس إعلاميا فقط، بل عسكريا في كثير من الدول، حيث يوجد جنود حرس ثوري في إيران وفي لبنان وفي إريتريا، بل وتتدخل في البحرين وتحرض ليل نهار.
العودة إلى قضية النمر
وعاد الخبير في الشؤون الإيرانية عايد الشمري، بالذاكرة أسابيع إلى الوراء، وذكّر بالتدخلات الإيرانية الرسمية والشعبية، على خلفية الحكم على رأس فتنة العوامية نمر النمر، الذي كانت وسائل الإعلام الإيرانية قد أفردت له وبشكل موسع صدر صفحاتها. وأضاف الشمري هذا الأسبوع أطلقت إيران حملة في كربلاء العراق التي يجتمع فيها شيعة العالم لجمع مليون توقيع، ضد إعدام نمر النمر، وتم ذلك بتغطية إعلامية ضخمة من جميع الصحف والمواقع الإخبارية وكذلك قناة العالم الإيرانية وبعض القنوات العربية الممولة من إيران.
خذلان قضية الأحواز
وعلى أساس هذا المحور، يأسف الشمري من وضع الإعلام العربي بشكل عام، الذي خذل القضية الأحوازية، لكن بعد ظهور المواقع الإخبارية على الإنترنت ووسائل التواصل استطاع المعارضون الاحوزايون إيصال صوتهم إلى العالم العربي، ومن هذا المنطلق يرى الشمري أن ذلك الأمر يُحتم على الإعلام العربي أن يبدي نوعا من الاهتمام في القضية الأحوازية. وقال هنا للأسف إيران استطاعت عزل الأحواز عن الإعلام العربي لفترة طويلة من خلال طرق عدة حتى إن هناك صحفيين عربا لا يعرفون أبسط المعلومات عن القضية الأحوازية.
الكعبي للإعلام العربي: أنصفونا
وبالعودة إلى الدكتور عباس الكعبي، فقد اتفق مع الشمري في أن الإعلام العربي لم يعط القضية الأحوازية حجمها الطبيعي. ويرى أن وسائل الإعلام العربية التي تهتم بقضايا الأحواز تعد قليلة، لكن هناك صحف عربية عدة اهتمت وما زالت تهتم بقضيتنا العادلة.
التغطية العادلة
ويثق عباس الكعبي بأن الوطن لم ولن تخطئ فيما تنشر أبدا. بل إن ما تناولته خلال الفترة الماضية كان يعطي دلالة كبرى على سقف الحرية، يسبقه الإيمان بعدم خذلان الشعوب العربية المضطهدة. فـالوطن والحديث للكعبي تضع الشعوب العربية التي يتعامل معها رؤوس أنظمتها بالحديد والنار نصب عينها. لنا في سورية تجربة على ذلك، حين اهتمت وما زالت الصحيفة بالشأن السوري، وفي الشأن اليمني أيضا المشتعل والعراق والوضع في لبنان. كل تلك ملفات تستحق هذه الصحيفة الاحترام عليها. ما تطرقت إليه الصحيفة كتب بكل أمانه ودقة، وفي مقابل ذلك فإن الصحف الإيرانية تعبث يوميا عبر رسائل منها واضح، ومنها مبطن، وتدعو إلى لتدخل في الشأن الخليجي والسعودي الخاص.
إرهاب صريح
وحينما ذكر الكعبي بأن إيران تمارس الإرهاب على الشعب الأحوازي، اتفق الشمري على أن ما تمارسه طهران إرهاب صريح، مبينا أن في التعديات الإيرانية سلب للحريات وتوطين وتجويع، بل إنها تفعل بالأحوازيين أكثر مما يفعله الصهاينة في فلسطين، ولم تقتصر الممارسات الإيرانية على استنزاف موارد ومصادر الإقليم الطبيعية من مياه وبترول، بل عملت على طمس الهوية العربية للإقليم، والقضاء على كل ما هو عربي أو يمت للحضارة العربية الإسلامية، حتى إنها غيرت أسماء المدن العربية إلى أسماء فارسية. وعلى مستوى الصحة، قالت منظمة الصحة العالمية: إن اقليم الأحواز من أكثر جهات العالم تلوثا.
طهران.. رأس أفعى المنطقة
وعند سؤال الكعبي عن استخدام إيران لمصطلح فتنة، أكد أنه لو كان للفتنة رأس، فإن الدولة الفارسية هي رأسها حاضرا وقديما، مردفا لم تتوقف الفتن الفارسية في الوطن العربي والعالم الإسلامي منذ بدايات ظهور الإسلام والإطاحة بإمبراطورية المجوس الأكاسرة، حتى يومنا هذا. تسمية الدولة الفارسية لما تبرزه صحيفة الوطن السعودية بالفتنة، لا يخرج عن كونه معبّرا عن البجاحة والصفاقة الفارسية، فالأخيرة تنشر الفتن المادية والمعنوية على أوسع نطاق في العالم العربي. وأوضح الدكتور عباس أن الفتنة الإيرانية المادية تتمثل في نشر طهران للخلايا الإرهابية لزعزعة استقرار الدول العربية، وليس أدل على ذلك من إعلان كل من السعودية، مصر، الكويت، الإمارات، البحرين، المغرب واليمن عن إلقائها القبض على خلايا تجسسية مرتبطة بالدولة الفارسية وخصوصا بالحرس الثوري الإيراني وجناحه المتمثل بفيلق القدس المدرج على قائمة الإرهاب والمكلف بالعمليات الفارسية خارج الحدود الإيرانية.
الفتنة.. معنويا
وفيما يخص الفتنة المعنوية أكد الكعبي أن ذلك كان بتبني الدولة الفارسية للإرهاب الفكري وشق صف العرب والمسلمين، عبر مذهبها الصفوي وجعله دينا يعادي الدين الإسلامي الحنيف المتمثل بالسنة، متسائلا: ماذا تقول الدولة الفارسية عن ميليشياتها الطائفية التي تعيث فسقا وفجورا وفسادا في العراق وسورية واليمن ولبنان؟ مستدركا بالقول إذا كان شعارها الكاذب هو تحرير القدس، فالبوصلة الإيرانية تسير جنبا إلى جنب والبوصلة الصهيونية، في استهدافها الأمة العربية للفتك بها والثأر منها.
تكريس البوليسية
وبالرجوع إلى الشمري وعند سؤاله عن ماهية الطرق التي اتبعتها إيران لعزل الأحواز عن الإعلام العربي، قال إيران دولة بوليسية. عندما كنت أزورها كنت أخاف من رجال الأمن أكثر مما أخاف من اللصوص في الشوارع. أي صحفي يريد العمل مع مؤسسة إعلامية أجنبية يلزمه استخراج رخصة عمل مقرونة بموافقة من الجهات الأمنية، قبل إرسال أي خبر عن إيران وإلا سيتم سحب رخصته، وبالتالي لا يحق له العمل وقد يتم سجنه بتهمة نشر دعاية ضد المؤسسة وتكدير النظام العام، ويوجد الآن كثير من الصحفيين خلف القضبان. وأكد الشمري أن الجهات التي تعطي الموافقة على نشر الأخبار ليست هيئة رسمية أو علنية، بل لها ارتباطات مباشرة بالاستخبارات الإيرانية، ومن هذه الزاوية يحق لنا وصف إيران بـالدولة البوليسية.