في الصاروخ الأخير لحسن نصر الله، كان أبوهادي يتحدث عن البحرين وكأنها الضاحية، وكان يرعد ويزبد عن المحرق وكأنها حارة حريك، حديثه بكل اختصار، كان مثالاً صارخاً على الخطاب الديني البغيض العابر للحدود، وهو الخطاب ذاته المشعل للفتنة دون وعي بحقائق ومصير المجتمعات وهويتها وانتماءاتها التاريخية. نسخة بالكربون من خطابات بن لادن المكررة، وأشرطة الظواهري المسرّبة، ويؤسفني أن أعيد ما قاله كثر من قبلي أن الأنتلجنسيا من إخوتنا الكرام في المذهب الشيعي المقابل، لا يقابلون مثل هذه الخطب بالقدر ذاته من الكراهية الذي واجهنا به وبكل وضوح وشجاعة خطابات القاعدة وداعش وكل ما بينهما في الخطاب السني المتطرف.
من هو حسن نصر الله ليكون الأنموذج والإلهام لكل أبناء طائفته على الخريطة المسلمة؟ هو الملاَّ الذي يخرج للشاشة أربع مرات كل عام ليتحدث من القبو، وهو يفعل هذا منذ عشرين عاما، وكأن هذا الدين العظيم منظمة سرية مشبوهة!
هو زعيم الصوت المعطل ذاته الذي صنع من لبنان دولة مشلولة تعيش لعام كامل بلا رئيس وبلا برلمان يكتمل نصابه لاختيار رئيس الدولة. هو نفسه حسن نصرالله الذي باع لشعبه كذبة أن إيران ستعيد بناء ما دمرته حروبه العبثية، واليوم، وبعد عشرة أعوام من أولى حروبه، تؤكد الأرقام أن إيران لم تدفع دولاراً واحداً لطوبة واحدة من منازل 3 آلاف أسرة لبنانية فقدت منازلها في حروبه المتعددة. مشكلة هذا الخطاب الديني المتطرف أنه يدعو الأتباع لازدواجية الولاء رغماً عن اللسان والتاريخ والهوية. كان أسامة بن لادن يدعونا لأن نكون من خوست وقندهار، ولبيعة لسان وعرق آخر مثل الملا محمد عمر. اليوم يكرر حسن نصر الله الدعوة ذاتها كي تنسى نجران والقطيف وعمران وعذاري كل آلاف السنين من تاريخها وإرثها وعرقها ولسانها، لتعاند كل حقائق الجغرافيا، وتسبح ضد تيارات التاريخ الجارف لتبايع آيات الله العظمى والصغرى في قم.
والخلاصة أن بضعة أشخاص جعلوا حياتنا بأكملها أسيرة لخطابات القبو والكهف، وكأننا نبيع ديناً ومعتقداً لا يصلح للضوء والشمس. خطاب شارد يريد لنا أنموذج قندهار بدلاً من كوالالمبور، ويريد أن يقول لنا إن حارة حريك بديلة لشارع السيف في المنامة.