التطرف لا يمكن أن يواجه بالتطرف، والإرهاب لا يقضى عليه بهدم القيم الشرعية، وإنما بتقديم الخطاب الواعي الذي يقدم تعاليم الإسلام الصافية بعيداً عن نزعات الغلو

التوجهات والآراء حول مواجهة الإرهاب والتطرف كثيرة ومتنوعة، تحكمها في الغالب نزعات أيديولوجيات وتوجهات فكرية تشكل زاوية النظرة إلى موضوع الحل لهذه المعضلة التي لم تعد خاصة ببلد دون بلد، بل هي معضلة عامة تهدد الجميع.
ولأن موضوع الغلو والإرهاب والتطرف يشكل ظاهرة اجتماعية، تتتابع أحداثها في كل لحظة، وانتقل الأمر من كونه نزعات فكرية لفئة من الشباب إلى أن أصبح منظمات تسيطر على نطاق واسع من الأراضي في سورية والعراق واليمن وليبيا وغيرها، فأصبح الأمر أكثر تعقيداً وخاصة حين تكون ثمة مصالح لدول ومنظمات وتوجهات سياسية عالمية في دعمه وتشجيعه، كونه يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية واستراتيجياتها العالمية المتمثلة في صراع القوى الدولية.
وكما أن صاحب كل فكرة سياسية أو أيديولوجية يبحث عن مبررات وجوده الواقعي، فإن أي عمل يؤدي إلى وجود هذه المبررات لهذه الجماعات يعد دعماً غير مباشر لها، وإعطاءها القيمة الوجودية التي من خلالها تستقطب المزيد من الأتباع، وتقدم المزيد من المبررات حتى تمارس إرهابها وعنفها وقتلها وتفجيرها براحة ضمير، وهي في نفس الوقت تبحث عن أي مبرر حتى ولو كان ضعيفاً لتمارس أجندتها داخل المجتمعات الإسلامية وخارجها.
إننا نجد كثيرا من الممارسات التي تشجع حركات العنف والتطرف في العالم الإسلامي وتقدم لهم المزيد من المبررات، وخاصة أولئك الذين يتحولون من نقد خطاب العنف والإرهاب وممارساته إلى التعدي على المكون الديني الذي هو عقيدة المجتمع المسلم كله، ويظن هؤلاء أن هذا الخطاب المتشنج سوف يسهم في مواجهة الإرهاب وهو في الحقيقة يذكي ناره ويزيد من مبرراته، إذ ينطلق كثير من منظري جماعات العنف والإرهاب من محاولة إقناع أتباعهم أن القضية ليست خلافاً حول مسائل منهجية أو أفكار نسبية قابلة للأخذ والرد، وإنما القضية خلاف حول القضايا الأصولية التي يحاول خصومهم النيل منها، ومن ذلك حرب الإسلام نفسه من خلال حرب تعاليمه القطعية ومسلماته اليقينية التي هي محل اتفاق وإجماع بين المسلمين كلهم.
وكما أن جميع الناس ينكرون هذه الأعمال التي تصدر من الغلاة، واستباحة الدم الحرام، فإنهم كذلك وفي نفس الدرجة ينكرون محاولة استفزاز هؤلاء الغلاة ليمارسوا مناهجهم، ومثل ذلك ما حدث في فرنسا من تبني الصحيفة الإساءة إلى الإسلام والنكاية بنبيه الكريم عليه الصلاة والسلام، فإن هؤلاء - مع إنكارنا لقتلهم - يقدمون الذرائع لأن يفعل هؤلاء الغلاة ما فعلوا دون أن يدركوا مآلات ذلك وضرره على صورة الإسلام والمسلمين في الغرب، وإلحاق الضرر بكل الجهود المبذولة التي تهدف إلى تقديم الإسلام نقياً كما جاء من عند الله، وإزالة ما يحاول أعداؤه من إلصاق التهم به، ومع ذلك فإن التعدي على مقام النبوة سوف يوجد المبرر لهؤلاء بأن يفعلوا ما فعلوا.
إن التطرف لا يمكن أن يواجه بالتطرف، والإرهاب لا يقضى عليه بهدم القيم الشرعية، وإنما بتقديم الخطاب الواعي الذي يقدم تعاليم الإسلام الصافية بعيداً عن نزعات الغلو والتطرف، وبعيداً عن نزعات الإلحاد والتعدي على الحرمات والقيم الشرعية، فإن فقد أي طرف هذه المعادلة المهمة فإنه يصبح مباشرة جزءاً من المشكلة في مواجهة الإرهاب وليس جزءاً من الحل، وعليه فإن الوقوف أمام الموطئين للإرهاب مهم في حربنا الشاملة معه، وعدم السماح للمتجرئين على الحرمات الشرعية بأن ينالوا من الإسلام بحجة مواجهة التطرف، فإن أذنا لهم فإننا نمنح المتطرفين المبرر الكافي لإقناع الناس بدعواهم أن المستهدف هو الإسلام نفسه لا فهمه المنحرف من الجماعات المتطرفة.