دارت عقارب الساعة الدولية لتتحرك في اتجاهات مختلفة عن تلك التي تعودهـا الشرق بالأخص الخليج العربي الذي فوجئ بثورات هنا وهناك حركت المياه الراكدة، أفاقت شعوبه من صدمتهـا لتكشف وجوهـاً غربية جديدة بتوجهـات مختلفة عما كانت تعودته من دعم سياسي واقتصادي ومادي.
ولوحظ أن الساعة توقفت على أرقام صعبة ودول معادية أو مناهضة لسياسات الدول العربية وخصوصاً الخليج الذي كان محضوناً بشكل واضح في صدور غربية تحالفت معه منذ القدم بل وكانت سبباً في بقائه وأسهمت في صموده عبر تاريخها الطويل، وما إن بدأت الثورات العربية حتى ساهم الغرب لاسيمـا الولايات المتحدة الأميركية في دعم التوجهات الشعبية المناهضة للأنظمة العربية القديمة وبشكل ملحوظ وغير مرضٍ من قبل الساسة العرب، واتضح للسياسي العربي القديم ما كان يحذِّر منه بعض المحللين من مثقفي العرب الذين كانوا ينادون بالانعتاق من ربقة الدولار الذي أشعل الفوضى في الأسهم العربية بنيرانٍ لم تعد هادئة.
والدعوة للتحول نحو الشرق إلى أن انكشف بوضوح النفاق الغربي واتضحت معالمه وشهدت التحولات العربية انقلاباً في التوجهات السياسية الغربية وضموراً في العلاقات بل توتراً بين الخليج العربي والغرب، وصار الساسة الخليجيون يتابعون بقلق بالغ ساعات من التوقف الطويل لعقارب الساعة الغربية على الرقم الإيراني الذي تمدد على حساب العرب وبدعم أميركي واضح لا يخلو من نفاق كشفت عقارب الساعة، توجهاته مع انحيازٍ كامل ومفضوح للسياسة الصهيونية رغم القرارات الدولية التي يحاول العرب تحريكهـا نحو اعتراف لا يعدو كونه صورياً في المشهد السياسي الغربي ونفاقاً على حساب الدول والشعوب العربية.
إن اللحظة المعاصرة إحدى النقاط السوداء في الساعة الغربية توجب التأمل والدراسة بعمق إزاء هذا النفاق الغربي الذي ابتلع الهدر النفطي بكل سهولة وسيولة، والذي لا يقبل المجاملة ولا التسويف، دعاوى الممانعة والمقاطعة أو السلام كلهـا أصبحت غير مجدية ولا ممكنة والحل الوحيد وأهم ما يمكن تصوره وتحويله إلى واقع رغم صعوبته في الزمن المتغير والمضطرب هو الاتحاد الكامل والشامل والالتفات للشعوب العربية ومنحهـا مزيداً من حريتهـا وحقوقهـا المشروعة دون منٍّ أو أذى، والاعتصام بحبل الله وحده والعودة للتراث العربي والإسلامي والتشبث به بعيداً عن التقليد الأعمى الممقوت للغرب، ودعم التوجهات المعتدلة ولو كانت معارضة وتجفيف منابع الحقد والكراهية والتطرف والطائفية، وتفعيل حوارات قادرة على التغيير والحداثة والمعاصرة مع الأخذ بأيدي المبدعين والمفكرين وتوطينهم وعدم الضغط عليهم ليتخذوا من الغرب أوطاناً بديلة، ودعمهم بشتى الوسائل والسبل وتهيئة بيئات آمنة للتحديث والإبداع في مناحي الحياة كافة، ونبذ العنف السياسي والبعد عن التغول على كل ما هو مدني وشعبي ولو كان مخالفاً ومختلفاً، ومحاولة استيعاب واستقطاب الجميع خصوصاً الجيل الجديد الناهض والمناهض لتتم مقاومة عقارب ساعة دولية لم تعد تتحرك في مصالح الشعوب العربية والإسلامية والخليجية؛ بل تحاول تقسيم ساعة المسلمين والعرب إلى نصفين بل أكثر، وإشعال نار الفتنة بينهم في نفاق لم تعد ألوانه تنطلي على المسلمين والعرب في تاريخهم الحديث.