والآمال معقودة على قيادات وزارة التربية والتعليم اليوم أن تعيد صياغة سياسات التعليم وتوجهاته وواقعه من الجذور، لتجعله لائقاً بهذا العصر وبهذا البلد، ولأجل تحقيق هذا فإنه لا بدّ من قراءة تجارب الذين اصطلوا بناره. هذه مجرد إضاءة على تجربة واحدة من تعليم البنات، وكنت أقول إنه لطالما نظرت إلى السنوات التي مررت بها في مدارس البنين كسنواتٍ من الجحيم، لكني حين قرأت كتاب أميمة الخميس ماضي مفرد مذكر أيقنت أن النساء مررن بقاع الجحيم. الكتاب رصدت فيه أميمة مشاهد من تجربتها الشخصية في التعليم، طالبةً في المراحل الثلاث، ثم عاملةً بالقطاع نفسه، مع إلماحات نقدية وفكرية مهمة ومعبرة، ويا لعالم تعليم البنات المروّع والمحاصِر لأبجديات وجودها، نعم مُكنت المرأة من التعليم، لكن بطريقة تضاعف محوها! الرياض كانت مكان هذا الكتاب، وقس ما الذي يمكن أن يحدث في الضواحي والمدن الصغيرة، المبالِغة في الامتثال بحثاً عن القوة، حيث تأخذ هذه الهيمنات الطامسة مستغِلةً الأنظمة والتعاميم والمنهج، أشكالاً أكثر استقواءً ووحشيةً وإلغاءً لأي معنى يتصل بالكينونة الإنسانية، بدءاً من مسؤولي الوزارة، لمسؤولي إدارات التعليم، وصولاً للمشرفات ومديرات المدارس والمعلمات، وانتهاءً بحارس المدرسة، المثال البسيط والواضح حتى اليوم كل ظهيرة، على هذا التواطؤ، حيث يصير حتى اسم الفتاة شاهداً في حلقات إلغائها، الحلقات الذكورية المتصلة والطويلة، وكما العادة.. باسم الدين والأعراف، تلك الحلقات المنظمة والممنهجة، بقدسية وبراعة، صفياً وغير صفي. في صفحة 101 كتبت أميمة: لم يكن هناك محاضرات معرفية عدا محاضرات التوعية الدينية ذات الطابع الوعظي الترهيبي، من قبل داعيات ترسلهن إدارة التعليم للتجوال بين المدارس... لا أنشطة ثقافية أدبية شعرية أو مسرحية، لا رحلات مدرسية، بالنسبة للفنون التشكيلية كانت تخرج نهاية العام بعض من اللوحات التي تصطف في مجلس الأمهات، وهي على الغالب صورة دلة أو خيمة في البرّ، بينما يلوح في الأفق جمالٌ بهيئة مبهمة، حتى لا تقع الطالبات في محظور التصوير، حتى ببعض أشرطة الكرتون الخاصة بالأطفال لتلك المرحلة، والتي يدعونها إسلامية، كانت تظهر الشخصيات بلا ملامح، تُطمس الوجوه ولا تبقى إلا الأجساد. ثقافة مولعة بطمس الوجوه.
لا بدّ أن في كل مدرسة وبيت قصصاً يمكن إضافتها كشواهد لهذا الكتاب، في بيتي، وقبل ثماني سنين، ليس ثلاثين ولا أربعين سنة، كانت ابنتي بالصف الثاني الابتدائي. وبإحدى الليالي، وحين دنا وقت النوم أخذت تبكي بهلع، كان إطفاء لمبة واحدة في البيت يمثل لها رعباً، بعد أن داريتها وطمأنتها، عرفت السبب.. امرأة جاءت إلى مدرستها (الابتدائية) صباحاً، وألقت محاضرة عن فلسطين والموت والتوبة، عرضت فيها، باستخدام جهاز بروجيكتر صوراً لأطفال، ليسوا موتى فقط، بل قتلى! في اليوم التالي اتصلت بمديرة المدرسة، حاولت الإلماح إلى أنني سأتقدم بشكوى، وأن هذا إرهاب وتدميرٌ صريح للطفولة، ففاجأتني المديرة بأن المحاضِرة جاءت بتصريح، ولم يكن في وسعها فعل شيء. أغلقت الهاتف بلا تحية. ويا ترى كم في كل بيت ومدرسة من القصص لتضاف إلى هذا الكتاب المهم! اقرأوه..