تستيقظ سارة، ابنة أحد الأصدقاء، عند الرابعة ما قبل صلاة الفجر كي تركب سيارة شركة التأجير للدوام اليومي من أبها إلى قرية الحبيل في رجال ألمع عبر طريق ضلع الذي تقول الأرقام إنه حصد في العام الماضي 127 ضحية في أقل من عشرين كيلومتر. لكن زميلتها الأخرى في المدرسة نفسها لا تحتاج سوى عشر دقائق للوصول إلى المدرسة ذاتها من منزل أهلها بمدينة الشعبين المجاورة. من هو النائي الذي ينطبق عليه قرار الوزارة؟ شقيقة زميلي الآخر تستيقظ في التوقيت ذاته ولكن من جبال ألمع الشاهقة نفسها عبر طوق جندلة الترابية وعقباتها المخيفة..غرباً.. حتى تصل إلى مدرسة الحريضة بعد أن تقطع 23 كيلاً ترابياً من الجبال والأودية، لكن زميلتها الأخرى في المدرسة نفسها لا تحتاج سوى ثماني دقائق للوصول من بيت أهلها في الشقيق إلى المدرسة ذاتها. من هو النائي إذاً الذي ينطبق عليه قرار الوزارة؟ زميلة زوجتي التي تعمل في الحارة المجاورة مغتربة جاءت لأبها من قلب الرياض وتسافر ذهاباً وعودة نهاية كل أسبوع بين المدينتين فهل نعتبرها في هذه الحالة نائية أسرة حين انتفت نائية الجغرافيا لعدم انطباق التوصيف.
وبكل الاختصار.. أعد قرار وزارة التربية والتعليم أشجع وأجرأ قرار إداري لحفظ الأمن النفسي لأكثر من مئة ألف أسرة سعودية، مثلما هو القرار ذاته الذي سيجعل من المكان النائي أكثر إغراء وجاذبية. هو القرار الشجاع نفسه الذي لن يتخذه أي وزير إلا... خالد الفيصل، ولكن: بقي من تبعات القرار أن تصدق كل الكتلة الإدارية البيروقراطية وأن تعاهد ضميرها كي ينجح هذا القرار في التوصيف الفعلي مع من يستحق أو لا يستحق. أن يكون مديرو التعليم أو كل مسؤول معهم في آلية التوصيف على قدر المسؤولية والأمانة وحياة الضمير في الفرز الصحيح بين من يستحق ومن لا يستحق. القرار الجريء الشجاع يحتاج إلى آلية تنفيذ صارمة مثلما يحتاج إلى برنامج عقوبة حازمة لكل من يحاول النفاذ إليه واستغلاله.
الخلاصة أن القرار كان إجابة شافية لوضع مأساوي ولكنه يبقى حاملاً لكل الأسئلة المفتوحة.