المجتمع يريد أن تعطى المدرسة دورا تنافسيا مع الإنترنت وقنوات الإعلام، هذا الدور وهذا التأثير على مستوى الطلاب هو ما يريد الناس أن يروا نتائجه في مشاريع 'تطوير'
أقول للأمير خالد الفيصل ونحن نعرف مدى حزمه وقوة قراراته والمتابعة الدقيقة لتنفيذها، وهو القيادي البارز والإداري الناجح، إنني في يوم السبت 29 /05 /2010، أي قبل أربع سنوات وسبعة أشهر بالضبط كتبت هنا مقالاً بهذا العنوان: مشروع تطوير.. السباحة أو الغرق.. وقدمت بعض الرؤى. وأُخِذ عليّ حينئذٍ أنني أبالغ في رؤيتي، واتضح أنني لم أكن كذلك. ولأننا ندرك جميعا أهمية هذا المشروع لما ينطوي عليه من أهداف ولما يحققه من نتائج تمس جميع مناحي التنمية، نعود مرة أخرى إلى طرح بعض الرؤى التي نأمل أن يجد فيها القائمون على المشروع ما يفيد. وكما قلنا آنئذٍ ومرة أخرى: إن المشروع أمامه الآن خياران: إما السباحة أو الغرق.
نعلم علم اليقين أن حوالي 500 ألف معلم ومعلمة وأكثر من 30 ألف مدرسة وخمسة ملايين طالب وطالبة كلهم يرقبون الأمل ويدعون بالنجاح، والأمل في خطوات كبيرة فاعلة. يا سمو الأمير لقد ملّ المجتمع خطوات الطفل التي أدت إلى اللامكان.. ونتجت عنها المراوحة. الكل يرقب أن تعيد المدرسة تعريف دورها. كان المسرح المجتمعي مسرحاً بسيطا. تتكامل عناصره في البيت والمدرسة والمسجد والشارع والجيران والراديو وقناة التلفزيون الوحيدة. كلها يكمل بعضها بعضا، والآن يعرف الجميع أن كل هذه العناصر تتضاد. الكل يتغير والمدرسة باقية على دورها السابق كما هي، ساكنة تتقاذفها العناصر الأخرى، بل تلغي دورها وتأثيرها. فما نراه من ممارسات طلابية في المدرسة هو نتاج العناصر الأخرى التي كانت أقوى تأثيرا من المدرسة فهزمتها.
المدرسة الآن ضعيفة التأثير لأنها لم تقم بإعادة تعريف دورها وفق مسـتجدات العصر، المدرسة يجب أن تكون الأقوى نفوذا بما يجب أن تتمتع به من إمكانات: معلم متعلم ومدرب تدريبا عصريا في بيئة مدرسية تتمتع بمحتويات عصرية تمارس فيها برامج وأنشطة فيها روح العصر ونكهته. ومستخدمةً مناهج تكفل للطلاب أن يقوموا هم بإنتاج المعرفة عبر مشاريع تدريسية يقومون هم بها لا ساكنين مستسلمين ولا خاملين طيلة ساعات اليوم الدراسي كما هو الحال. كل ذلك يتعرض لبرامج تقويمية تدخل الفصل الدراسي بأدوات علمية تمكن المقوم من التعرف على حقيقة ما يجري داخل الفصل الدراسي لتعزز إيجابيات ما يمارس داخله وتعالج سلبياته.
نرى يا سمو الأمير أن يستقطب المشروع الكفاءات التي لا تتحدث بالقصص الجميلة بل تمارسها. الكفاءات التي تعرف المعايير العالمية بل تراها ماثلة للعيان.. نريد مشاركة مجتمعية في المشروع. لقد مورست طرائق عديدة لتطوير التعليم ولم يشهد المجتمع أثرًا لتلك الجهود، فلماذا لا يشترك في المهمة التي هي في الأصل تهدف إلى خدمته. المتخصصون يعرفون أن هناك حراكاً واسعاً وجهداً كبيراً إلا أن المجتمع لا يعرف التفاصيل، وإدخاله في التفاصيل ليس بهدف تعريفه بما يتم إنجازه فقط بل إشراكه فعلياً في المهمة. المجتمع يقف على منظور لا يراه غيره وإشراكه يقفل كل سلبيات ذلك المنظور. والشراكة يجب ألا تقتصر على إقامة ندوات بل استخدام تلك الندوات في تمكينه من الانخراط في عمق المهمة، وهناك تجارب ناجحة لدى الآخر نتج عنها تطوير حقيقي.
نحن في السنة الثامنة من عمر مشروع تطوير. المجتمع يقول إنه يريد أن يرى شواهد وأدلة وأمثلة على انعكاس المشاريع على الفصل الدراسي وعلى مستويات الدارسين. يريد أن يرى مزيدا من فاعلية هذه المشاريع التي يتم تنفيذها عن طريق ربط تلك المشاريع بأهدافها، ليرى المجتمع هذا التأثير على أرض الواقع في تقدم تلك المستويات.
يريد أن تعطى المدرسة دوراً تنافسياً مع الإنترنت وقنوات الإعلام.. هذا الدور وهذا التأثير على مستوى الطلاب هو ما يريد المجتمع أن يرى نتائجه في مشاريع تطوير لا مجرد الإعلان عن المشاريع وتنفيذها.
وخلاصة القول، نحن لا نجاملك يا سمو الأمير ولا نتملقك عندما نقول إنك رجل التحدي الذي تعشقه، ورجل الأخطار الذي تحب ركوبها في سبيل التحليق مع السحب. تاريخك وشواهده تقول ذلك لا نحن فقط. ولذلك فقد بدأ مشروع تطوير بالعوم والمجتمع كل المجتمع يرقب، إما أن يتمكن من السباحة وإما أن يغرق والحَكَم هو المجتمع. فهل يشهد المجتمع للمشروع بالعوم إلى الساحل بشواهد وأدلة يراها على أرض الواقع أمامه في تقدم مدارس أبنائه؟ المجتمع يا سمو الأمير يتلقى تقريرا يوميا عن التعليم عن طريق ما يراه أمامه كل يوم من تقدم أو عدمه في تعليم أبنائه. وهنا تكمن صعوبة العمل في مجال التعليم. وهنا يكمن التحدي وأنت رجله الأول.. دعواتنا المُحبة والمخُلصة لمشروع تطوير بالنجاح.