كثيراً ما كانت تؤلمنا صورة العربي في الدراما الغربية، خصوصاً ما تنتجه هوليود، حيث ينمّط العربي عادة بصور وقوالب ثابتة لا تخرج عن إطار البدوي الذي يرعى الأغنام أو يُتاجر في الرقيق سواء الأبيض أو
كثيراً ما كانت تؤلمنا صورة العربي في الدراما الغربية، خصوصاً ما تنتجه هوليود، حيث ينمّط العربي عادة بصور وقوالب ثابتة لا تخرج عن إطار البدوي الذي يرعى الأغنام أو يُتاجر في الرقيق سواء الأبيض أو الأسود، أو هو أشبه ببنك متحرك يُبذّر الأموال هنا وهناك، مُصاب بالهوس والشبق الجنسي ويُفرط في تناول الخمر لدرجة تجعله مثاراً للسخرية والشفقة، وقد أضيفت خلال العقدين الماضيين صورة نمطية أخرى أكثر خطورة وأشد إيلاماً ظهر فيها العربي إرهابياً يقتل الأبرياء ويُهدد السلم العالمي. ذلك التعميم المهين والنظرة السلبية للعربي، سواء في الدراما أو في الذهنية الغربية، والتي تجرح مشاعرنا نحن العرب ومنذ عقود طويلة، لم تجعلنا نتعلم الدرس جيداً كما هي عادتنا دائماً ونقع في الفخ نفسه، فها نحن وللأسف الشديد نستنسخ نفس النظرة النمطية ولكن هذه المرة باتجاه بعضنا الآخر، هذا الآخر العربي الذي تربطنا معه وشائج الدم واللغة والمصير. ولن أتحدث طبعاً عن الآخر غيرالعربي، كالهندي والبنغالي والإندونيسي... إلى آخر السلسلة الطويلة من العمالة البسيطة التي تعيش بيننا، والتي تُظهرها الدراما الخليجية عادة كمجموعات من الجهلة والسُراق والمجرمين والمزورين وتفوح منها رائحة نتنة وغيرها من الأوصاف المهينة والسلبية.
صورة العربي في الدراما العربية، وبالتالي في الذهنية الغربية، لأن الدراما أو الفن على وجه العموم هو مرآة حقيقية تعكس نظرة وفكر وسلوك المجتمعات التي تُنتج هذه الدراما، هو ما أود طرحه في ما تبقى من هذا المقال. وسوف أتعرض لصورتين ــ نظرتين ــ نمطيتين أراهما الأكثر شهرة وتأثيراً وخطورة في هذا المجال. العربي في الدراما المصرية والخليجية.
ونبدأ أولاً بصورة العربي التي تكرست في الدراما المصرية، فمنذ خمسينات القرن الماضي وحتى الآن لم تتغير تقريباً تلك الصورة النمطية السلبية. فمثلاً يظهر الخليجي عادة في الدراما المصرية ساذجاً بثوبه الأبيض الفضفاض معتمراً خرقة بيضاء تُشبه الغترة مثبتة جيداً بحبل أسود بدلاً من العقال، ويبدو هذا الشيء مهووساً وشبقاً بالجنس باحثاً عن المتعة الرخيصة مما يجعله عرضة للسرقة والاحتيال والابتزاز، وتقتصر مشاهده القليلة عادة في الحانات والنوادي الليلية يبعزق الريالات أو الدنانير على أقدام تلك الراقصة السمينة بعد أن فقد ما تبقى من عقله بسبب إفراطه في الشرب. أما المرأة الخليجية فهي أيضاً حبيسة صور نمطية لا تخرج عنها، فهي أشبه بمتجر متنقل يكتظ بالفساتين المزركشة والحلي والأساور وتفوح منها رائحة البخور والعطور، تتبعها مجموعة من الخادمات النحيلات. تلك هي الصورة النمطية للخليجي في الدراما المصرية، ويبدو أنه كذلك في الذهنية المصرية أيضاً. والأمر لا يختلف كثيراً مع العرب الآخرين في الدراما المصرية، مع الاختلاف طبعاً في الصورة النمطية التي تلتصق بكل عربي، فهناك البواب والدادة والباحثة عن النجاح مهما كلف الأمر.
أما الصورة الأخرى، فهي صورة العربي في الدراما الخليجية، والأمر لا يختلف كثيراً أيضاً، حيث يُصبغ العربي عادة ببعض الصفات والتنميطات، فهو ــ أي العربي ــ على الأغلب يعمل حارساً لعمارة أو سائقاً أو موظفاً متزلفاً أو متجنساً تفضحه لكنته الأصلية فيبدو مضحكاً أو بائعاً لكل أنواع المتع الرخيصة، أما المرأة العربية في الدراما الخليجية، فهي إما مربية مسنة أو معلمة تعمل ليل نهار أو باحثة عن زوج خليجي ثري مهما كان عمره. يبدو أن صورتنا كعرب ليست مشوهة وسلبية فقط في الدراما والفكر الغربي، بل هي كذلك وأكثر في الدراما والفكر العربي! الضجة الكبيرة التي أثيرت قبل أسبوعين بسبب التراشق الإعلامي بين عدة أطراف عربية بسبب حالة الغضب التي اجتاحت ومازالت الشارع المغربي نتيجة ما اعتبر محاولة للإساءة والنيل من المرأة المغربية وذلك بتكريس ظهورها الدرامي كفتاة ليل وتتعامل بالسحر والشعوذة في أكثر من عمل درامي عربي، هذه الضجة لابد أن تدفع المعنيين بصناعة الدراما العربية لممارسة مسؤوليتهم الرقابية والمهنية والأخلاقية وإعادة رسم صورة الآخر بشيء من الإنصاف والتنوع، فالمعالجة الدرامية المسؤولة تقتضي المقاربة والمقارنة الإيجابية والسلبية، لا أن يقتصر الخط الدرامي على الجانب السلبي فقط.
إن الدور الكبير والخطير الذي تلعبه الدراما في حياتنا ومدى تأثيرها الكبير على فكرنا وسلوكنا ونظرتنا للآخر، يتطلب وجود رؤية واضحة وشفافة ومسؤولة لما يُقدم من إنتاج درامي عربي، فالوضع العربي المتردي أصلاً لا يحتمل أزمات أخرى، حتى وإن جاءت هذه المرة عبر شاشة الدراما.