لعلّها هدأة في مسيرة طويلة يستريح فيها الناقد الأدبي الدكتور عبدالله الغذامي في مدينة الضباب لندن، وهو يتماثل للشفاء عقب الجراحة الناجحة لاستئصال ورم بأحد مستشفياتها، ومن يعرفونه يعلمون جيدا أنه يخاصم قلق الحياة، وأنه قوي كي يصارع أعتى جبال الألم، ولكنه في ذات الوقت هيّن تستخفه بسمة طفل، ويتألق كعادته حضورا وغيابا، أملا وألما.
أستعيد مع الغذامي رائعة المتنبي وهو طريح الفراش وقد أنهكته الحمى، فخاطبها بلسان الشاعر كزائرة يتملكها الحياء فهي لا تزوره إلا في الظلام، وقد تعامل معها ذلك الشاعر الرائع بأنسنة أفرد لها مساحات من التغزل الذي تسرب من مسام الوجع، وهو يقول لها: بذلت لها المطارف والحشايا/ فعافتها وباتت في عظامي.
وذلك الحس رغم أثقاله لم يؤثر على طُرفة الشاعر الضخم وجعلها موضوعا لإبداع ظرفي خلّده التاريخ.
ذات الأمر تعامل معه الغذامي بروح متسامية على الألم، وفاق المتنبي الذي لم يحضر زمن تويتر، فكتب مطمئنا ومتواصلا كعادته ومنحنا جرأة مثيرة على المرض الذي يعانيه وهو يغرد عبر الأثير: حينما يفاتحك طبيبك بخبر عن ورم كامن على وشك الانتشار، وأنت لا تعرف عنه شيئاً حينها تدخل في أعمق امتحان في حياتك، ما أعظم أن تشعر أن ربك يحبك!.
لا نتوقع أن يستسلم الغذامي ويسلم قياده لعارض صحي يثقل على مشاعر محبيه ويتنازعهم بين الأمل والرجاء والدعاء، ولكننا ننتظر بالصبر الجميل أوبة وعودة بحضور يشرق بكامل الصحة والعافية، وما ذلك السرير الأبيض إلا فرس كبا حين اشتد رهق الحياة وتعبها على عملاق الثقافة والأدب، فآثر أن يستريح ليعود منطلقا مع خيول الأدب عائدا وحاضرا في الوجدان والذاكرة، فهو ليس وحده وإن تباعدت المسافات، وإنما تحلق حوله قلوب تحمله على المجيء الجميل وإن طال السفر وترحال الاستشفاء.